اعتدت في السنوات الخمس الأخيرة، مع بداية العشر الأواخر من رمضان، أن أتحرى ليلة القدر بعدستي الخاصة؛ فبعد صلاة التراويح والتهجد وصلاة الفجر أتجه بسيارتي نحو الخليج العربي لأقف متأهبًا في انتظار شروق الشمس بحثًا عن ليلة القدر، في تلك الدقائق أسأل نفسي، أتراها اليوم؟ هل ظهور الشمس اليوم في دقائقها الأولى بلا شعاع كعلامة كما ورد في الأحاديث الصحيحة أم سننتظر فلعلها غدًا أو بعد غد؟!
كانت تلك هي خواطري ولا أزيد من ذلك، لكن مع مرور الوقت والليالي مع ذلك المشهد الساحر للسماء الصافية وهي تلاطف أمواج البحر ويبدو الكون كله في حالة سلام وانسجام آت ربما من ابتعاد البشر عن المشهد هنا، وجدتني مدفوعًا لأن أكون جزءًا من الصورة ولو من على أطرافها، أشاركهم السلام وتنهل روحي من ذلك الجمال الفياض، فتتدفق الخواطر في أعقاب انسحاب القمر بتلك الانسيابية والهدوء؛ فأسأل نفسي عن آخر مرة مارست فيها انسحابًا كهذا؟ انسحابًا لا أذى فيه ولا آلام، وقبل ذلك والأهم متى نقرر الانسحاب من علاقات أو أماكن أو فرص دون صخب ودون أن نشعر أنه عار، وقد صور لنا كبرياؤنا الآثم ذلك؟ لماذا نستنزف كل ذلك الوقت في مبررات وحجج من أجل تسويف تلك الخطوة، والخاسر الوحيد نحن وأرواحنا المنهكة؟ متى نتفهم أن انسحابًا هادئًا يتبعه ميلاد جديد وإشراقة جديدة بكل ما فيها من قوة وخير؟ لماذا نظل أسرى تجاربنا الحزينة وذكرياتنا الضاغطة مع أن هذا الوقت الأسير لذواتنا المستعذبة بهذا الألم كفيل بأن يمنحنا دفئًا جديدًا لا يقل في وهجه عن تلك الشمس المنتصرة يوميًّا على تلك الأغلال؟
وأعود من جديد إلى خاطرتي المحرضة لي على الانتظار حتى تشرق الشمس لأراقب وهج أشعتها، لماذا أنا شغوف لمعرفة ما إذا كانت تلك الليلة هي ليلة القدر أم لا؟ هل هي الرغبة في حسم الأمر مبكرًا وبحسابات الورقة والقلم عبادة ليلة خير من ثمانين شهرًا أو يزيد وقضي الأمر! أم هي رغبة خفية في أن أندمج في الكون الآمن بعيدًا عن أعين البشر؟ وها هي الأرض قد أشرقت بنور ربها وبدأ يوم جديد بإشراقة جديدة تبعث على النفس الأمل بعد مشهد الانسحاب الهادئ، إشراقة وددت لو امتلكت نصيبًا منها وأنا أطل على من حولي فأبعث فيهم الأمل والسلام، تصورت نفسي أشياء عديدة، وشبهت نفسي بمشاهير وعظماء، ولكنني نسيت في غمرة سباقنا المحموم أن أشبه نفسي بها وبوهجها، لم أعرف ذلك التشبيه إلا في تلك الأيام، ولم لا فأكون أنا بمثابة الوهج في عيون من حولي وأفئدتهم، إن ممارسة العطاء تصاحبه متعة لا تعدلها متع الدنيا وإن اجتمعت، وإن بث الأمل في النفوس الحزينة يبدو في هذه الأيام جهادًا، ويبدو أنه ذروة سنام الإنسانية التي أنهكتها كل تلك الصراعات والدماء التي جعلت من أرواح الكثيرين مجرد أشلاء، وجعلت بعضهم مفضلاً انسحابًا صاخبًا ليس كذلك الذي شاهدته في صفحة السماء منذ قليل!
قد فهمت الآن لماذا حثنا الله في إشارات واضحة في أن نتطلع إلى السماء وإلى الأرض وأن نتفكر، قطعًا سنصل إلى الحقيقة المطلقة، وهي الله ووجوده وقدرته وصنعته، ستقولها رغمًا عنك ودون تخطيط مسبق، سبحان الله، ولكن أيضًا ربما أراد الله من تلك الإشارات أن نندمج في الكون وأن نراقبه؛ فينعكس ذلك على ذواتنا، ولم لا وقد أصبحنا جزءًا من المشهد، ربما في عمقه، وليس من على أطرافه.
The post بعيدًا عن أعين البشر! appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست