الجمعة، 30 يونيو 2017

ثقفني اون لاين : فالي دوبيو.. الجزء الأوّل

في محاضرة للفيلسوف مالك بن نبي بعنوان: الصعوبات بوصفها علامة نمو في المجتمع العربي، والتي ألقيت في الاتحاد القومي بدمشق يوم الاثنين 26 آب «أغسطس» سنة 1960، يقول: «ينبغي علينا أن نتخلص من نفسية المستحيل ونفسية التساهل، فليس هناك شيء سهل وليس هناك شيء مستحيل».

يتعيّن على أيّ منا أن يعي الوضع الذي هو فيه أوّلًا، ثم يستند إلى تحليل ما حوله، بعدها يجلس ليفكّر متأملًا في ما يحتاجه وما يصبو إليه، ثم يضع الأهداف بعدما يكون قد حاول تقدير الظروف والشروط ليسلك طريقًا اختاره بإرادته، وهو يدري ما يقف في مواجهته بالفعل، حيث تصبح الصعوبات أمامه ضربًا من الحتمية التي عليه التغلب عليها مهما كلف ذلك من إمكانات وطاقات.

بعض الأفكار تهبط العزم وتذل الهمم، هي تجعل المستحيل واقعًا عبر استهدافها لاستعدادات الفرد، لتشل قدراته كلها، ثم تعمد إلى دفعه إلى اليأس، وقبلها مرحلة التخبط التي تكسر كل ما يجعل الحياة حاملة لأمل ما، وهذا بالفعل ما يصادف الكثير من الأفراد، ليضيعوا بذلك قيمًا غالية تدفع إلى النجاح، لكن وبالمقابل، هناك نماذج لتصورات مناقضة، تجعل الأفراد تتهاون أمام كل صعب، ثم تسبح باتجاه إساءة تقدير الأحوال؛ مما يجعل الإنسان غير مدرك لما يجب إدراكه، متخلصًا بذلك من الخضوع لقوانين التاريخ وسيرورة الأزمان، وهذا ما يدفع هذا النوع من البشر إلى الفشل «المفاجئ» ليكوّن صدمة غائرة في الروح، قليلون من ينجحون في تجاوزها فيما بعد؛ مالك بن نبي يلاحظ أنّ المشكلة هذه ذات وجهيْن: هناك المستحيل من جهة، والتساهل من جهة أخرى، بذلك وفي كلتا الحالتين يقع الإنسان ضحيةً لما هو يعمل على تجنّبه وعدم الخوض فيه.

ثم يعمد هذا الفيلسوف إلى إسقاط هذه الوضعيات على العالم العربي، ويرى أن الشباب العربي وعبر أجياله المتعاقبة، إما يقع فريسة التشبث بماضٍ أسطوري زائف، أو الإقبال على حاضر مضطرب ومستقبل مظلم، ففي الحالة الأولى يشتهي ما مضى فيستسهل الحاضر، وفي الحالة الثانية يجلد ذاته واضعًا مستقبله رهن المستحيل؛ إنّ عدم الابتعاد عن «أوهام» المجد من جهة، أو «الاستسلام» لطغيان مجد الآخرين على الذات من جهة أخرى، سيؤدي عبر آلية منطقية إلى الوقوع في شرك التثبيط، فينتج من ذلك انقسام الشباب وضياع جهودهم، ما بين محاولة إقصاء الحاضر بالعودة إلى الماضي، أو التخلص من الحاضر عبر الخوف من المستقبل؛ وفي كلتا الحالتين المنطق «العملي» غائب، والضرورة الإلزامية لتحريك «الفاعلية» الفردية معطلة.

مشكلة كهذه كفيلة بتغيير مسار مجرى التاريخ لدى أمم بأكملها، خاصةً في المجتمعات المؤمنة التي تسترشد بتفسيرات لتعاليم مفارقة ومتعالية، حيث تصبح رهينة ما يملى عليها أو يرمى على عاتقها بلا أي براهين ملموسة، كما أنها تولّد وبالًا على المجتمعات التي لا تركن إلى الواقعية مثلما حدث في المجتمعات الاشتراكية، حيث يتسنى للأيديولوجيا توجيه الجماهير، فمشكلة التساهل/ المستحيل تنمو وترتقي لتسلب الأفراد قواهم وطاقاتهم، عندما تجد بيئات تنعدم فيها روح الابتكار والإبداع.

لا يمكن أن يوجد مبدع يهاب المستحيل أو يستخفّ بالواقع، فطبيعة تفكيره «العملي» سيدفعه إلى المرور بكافة مقتضيات الزمن والقوانين الفزيائية وحتى الفكرية من أجل الوصول إلى تحقيق مشروعه الخاص، وهذا ما عبّر عنه مالك بن نبي بمفهوم: الفرد الذي يقدّر الواجب، وهذا التقدير هو إحساس بصعوبات المهمات المعيشية التي تضع الفرد في اتصال مباشر مع مجتمع معيّن، وحتى وإن لم يقدّم له هذا المجتمع الضمانات الكافية، فإن الأفراد سيجتهدون كلّ من موقعه لتوفير الأرضية المناسبة لتجسيد «راحتهم» اليومية وسلامهم الداخلي.

The post فالي دوبيو.. الجزء الأوّل appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست