في مارس 2016 خرجت الجامعة العربية بقرارها المُدوي أن الجمهورية اللبنانية باتت خطيفة لمنظمة إرهابية تعمل لزعزعة الاستقرار العربي، وفورًا بدأ الحصار والعقوبات المالية وسحب كل أشكال الدعم، مصحوبة بتصعيد إعلامي ومقاطعة سياسية لم تقف عند حد المؤسسات الرسمية، بل وصلت إلى طرد المواطنين العمالية اللبنانية في الخارج.
بالطبع أمكن حينها تفسير دوافع قرار الجماعة العربية بقراءة بسيطة للواقع السياسي العربي، وحينها أيضًا لم تتعال أي أصوات رسمية عربية باحتواء الأزمة «سجل كلٌّ من العراق والجزائر تحفظهما»، وتم في صمت مطبق السماح بحصار دولة عربية حصارًا كاملاً لا يترك أي مجال للحلول الديبلوماسية. معالجة وصفها بعضهم بأنها هستيريا أصابت من يصدر قرارات الجامعة العربية، هستيريا لا تتناسب مع الذنب المذكور في البيان الرسمي للجامعة وقتها والشاجب لـ«الموقف اللبناني في الجمعية العامة الأمم المتحدة»، هستيريا شكلت تطرفًا سياسيًا في معالجة مشكلة تم تحويلها إلى أزمة.
من حق العرب أن يتوقعوا موقفًا متناغمًا مع مواقفهم من قطر عربي أقطروا عليه دلالاً، ولطالما أثروا في بعض مكوناته السياسية، ولكن هل كان التعامل مع بلد وحيد وفي موضع ضعف مالي وسياسي، هل التعامل المتطرف هو الطريقة الوحيدة المتاحة؟
اعتبر بعضهم – ومنهم لبنانيون- أن التطرف السياسي في التعامل مع الأزمة حينها هو أمر مبرر؛ حيث تعلق الأمر بقوة إقليمية غير عربية تحاول زعزعة الاستقرار العربي هي وذراعها الذي أرهق خصومه السياسيين بلعبة استعراض السلاح .
مضت سنة وهدأت العاصفة على الأقل إعلاميًا ولم يخطر ببال أحد أن يقف في وجه التطرف السياسي لأن لا أحد اعتقد أن التطرف سيغدو أسلوبًا عربيًا معتمدًا لحل كل خلاف داخل الجامعة العربية.
ولأن السكوت عن الحق لا يمر مرور الكرام؛ فإن من أعان ظالمًا على ظلمه سلطه الله عليه، فها هي أول أزمة داخلية تحل بالعرب إلا ويتم استدعاء الأسلوب اللبناني نفسه، أسلوب التطرف الديبلوماسي والإعلامي والاقتصادي.
حتى مع بلدان العالم الأشد خطورة في نظر المجتمع الدولي يتم تسليط العقوبات ورفع حدتها تدريجيًا ولا تصل الأمور إلى الحصار المطبق إلا بعد التهديد بالحصار والعقوبات، ثم بدء تطبيقها جزئيًا، لتتوسع تدريجيًا في حال عدم الاستجابة .
إلا في بلاد العرب؛ حيث تمتلئ فجأة نشرات الأخبار طعنًا وتشهيرًا بدولة معينة، وتخرج القرارات المتعاقبة بالمقاطعة التامة والشاملة وتخوين كل من يذكر تلك الدول من المواطنين، ويمنع السفر منها وإليها، وتنتهك كل الأعراف الإنسانية والمواثيق البشرية المكتوبة وغير المكتوبة .
من المؤكد أن الحال العربي لم يكن بحال حسن طوال القرن العشرين أو قبله، ولكن كيف وصلت الحالة العربية إلى ما هي عليه اليوم؟
بلا شك فإنه لا بد في السياسية من التوازن، وفي العمل السياسي الجماعي يغدو وجود تيارات قوية ذات تأثير مسموعة الرأي أمرًا مهمًا وهذا الأمر قد غاب في المنطقة العربية؛ حيث غدا مجلس التعاون الخليجي القوة السياسية الوحيدة المحركة للقاطرة العربية.
انهيار مصر مبارك.. تركز القوة في الجناح الخليجي
لا شك أنه وعلى مدى ثلاثين عامًا من حكم مبارك، وبغض النظر عن الأمور الداخلية، فإن الدور المصري في الجامعة العربية كان فعالاً ومحوريًا، ولقد أثر تأثيرًا مهمًا في توجيه القرارات العربية نحو نوع من الاعتدال. إن نظام مصر – وعلى الأقل في الشأن الخارجي- لم يكن نظامًا مباركيًا بقدر ما كانت سياساته تُمليها الدوائر المصرية الوطنية ممثلة في مؤسسات الخارجية والداخلية الأمنية والديبلوماسية معًا، تلك المؤسسات التي نشأت ومارست السياسة منذ عهود الثورة والأيديولوجية الوطنية العميقة. ومرت بكل الإرث الوطني التقليدي لعب على التوازن بين مصالح النظام وبين مصالح الأشقاء ذوي الأنظمة الملكية.
لقد لعبت مصر على مدار عقود دورًا أساسيًا في حل المشاكل العربية، وصحيح أنها كانت حليفـًا أميل للسياسة السعودية، ولكن لا سبيل للإنكار أنها امتلكت على الدوام القدرة على تخفيض سقف المطالب السعودية.
دول المغرب العربي.. الغائب المستقيل
لو كان يمكن الحديث عن كتلة ما يمكنها أن تلعب اليوم دور كفة التعديل العربي؛ فهي مجموعة الدول المغاربية، والتي تمتلك علاقات معتدلة عمومًا مع بقية الدول العربية من جهة، ومع الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، وهو ما يؤهلها لأن تقوم مقام الأخ العربي الذي يستطيع كبح المشاكل عن التفاقم ويمنع كل شكل من أشكال التطرف السياسي المعتوه .
لكن الواقع اليوم أن الدول المغاربية هي على الدوام مستمع شرفي يكتفي بتأييد القرارات أو التحفظ عليها، يزيد من بلة الطين كون هذه الدول ابعد ما يكون من توحيد رؤيتها وعملها السياسي.
المجموعة الدولية.. اللاعب غير النزيه
في ظل غياب أي قدرة عربية على إصلاح ذات البين، فإن الأمل يمكن أن يتعلق بالأصدقاء من المنظومة الدولية، خاصة وأنهم معنيون باستقرار المنطقة نظرًا للشراكة التي تجمع العرب بهم، وكذا أهمية المنطقة للعالم. لكن الحقائق تشير إلى أنه ما إن يفتح الباب على التدخلات الخارجية حتى يخرج الأمر من يد العرب ويختلط الحابل بالنابل.
في بداية الأزمة الخليجية مع قطر، صرح وزير خارجية المملكة السعودية عادل لجبير ردًا على الوساطة الألمانية قائلاً: «العرب يحلون مشاكلهم بنفسهم»، وهوما فتح الباب لأمير الكويت أن يسعى محمودًا إلى تقريب وجهات النظر، وهو ما يتمنى المواطن العربي أن ينهي الأزمة وأن ينتهي معها أسلوب التغول والمقاطعة التي لا يمكن أن تجد اسمًا سوى أنها تطرف سياسي.
The post لبنان وقطر.. قصة التطرف السياسي appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست