الجمعة، 30 يونيو 2017

ثقفني اون لاين : ماذا يتوعَّد المواطن المغربي بعد قرار تعويم العملة؟

 بعد إلحاح طويل منذ سنة 2007 من طرف المؤسسات المالية العالمية، ستعتمد المملكة المغربية ابتداء من النصف الثاني من العام الجاري 2017، نظام الصرف العائم، أو بمعنى آخر تحرير سعر صرف الدرهم المغربي وجعله خاضعًا لقوى العرض والطلب في سوق العملة، بعدما كان يخضع للنظام الثابت، حيث ترتبط قيمته بـ 40% من الدولار، و60% من اليورو، منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث إن البنك المركزي يرى أن هذا النظام لم يعد صالحًا، على اعتبار أنه لن يساعد على مواجهة الأزمات، من حيث احتياطي النقد الأجنبي لمواجهة احتياجات المستثمرين.

سيتم تحرير سعر الصرف جزئيًّا، وفي عدة مراحل خلال مدة قد تصل إلى 15 سنة، حيث سيحدد البنك المركزي القيم الدنيا والعليا للدرهم لضمان عدم ترك تحديد قيمته من طرف المضاربين، وعدم انتشار السوق السوداء، إلى أن يتم التحرير بالكامل وبالتالي الخضوع لقانون العرض والطلب، وعندها لن يتمكن البنك المركزي من تحديد قيمته بشكل مباشر.

تطميناتٌ في مهب الريح :

يرى الاقتصاديون والمسؤولون في المغرب أن نظريات المدرسة النقدية تمثل النموذج الأمثل للاقتصاد المغربي في الوقت الراهن، حيث إن تعويم العملة سيضمن النمو الجيد وزيادة في فائض الميزان التجاري، وسيساعد على التحكم في معامل التضخم وأسعار الفوائد، حيث إن المغرب، وكما يتوقع له صندوق النقد أن يحتل المرتبة الأولى سنة 2017 في جهة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من حيث معدل النمو بنسبة 4,4% و3,9% خلال سنة 2018، وحسب تقرير «سلم مناخ الأعمال وجلب الاستثمار» للبنك الدولي لسنة 2017، فإن المغرب سيحتل المرتبة الثالثة إفريقيًّا والرابعة في جهة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن احتياطي النقد الأجنبي يتعدى الطلب حاليًا ويصل إلى 25 مليار دولار.

بعد أن يتم رفع الدعم وتحرير الأسعار بشكل كامل، سيؤول الاقتصاد وبشكل آلي إلى التوازن باستمرار، وهو ما اعتمدته الحكومة الفارطة من قرار لإلغاء صندوق المقاصة بتوصيات من البنك الدولي وصندوق النقد لتفادي أي أزمة، والذي أُحدث في سبعينيات القرن الماضي لدعم بعض المواد الأساسية، ويُعد تحسين مردودية القطاع السياحي من حيث زيادة الاستقطاب أيضًا من أبرز المؤشرات التي تدعم أطروحة المسؤولين بالمغرب.

في حين أثبت الواقع الاقتصادي أن التحرير الكامل للأسواق بدون أي رقابة من المؤسسات يؤدي إلى أزمات حقيقية، كأزمة الرهن العقاري في سنة 2007 التي بدأت في الولايات المتحدة. وما بين تفاؤل بعض المسؤولين وتشاؤم بعض المواطنين سنرى صِدقية القرار بعد سنين.

قرارٌ سيادي أم إرغامٌ خارجي؟

في إطار التحضير لهذا المشروع تباحث المغرب مع صندوق النقد والبنك الدولي، فتم الأمر بمباركتهما، حيث إنه يعتبر «التلميذ النجيب» لهاتين المؤسستين، لأنه لا يرفض لا طلبات ولا توصيات وبلا أي اعتراض، منذ أن بدأتا تعليماتهما الصارمة منذ ثمانينيات القرن الماضي، حينما أُرغِم المغرب على تبني برنامج التقويم الهيكلي بسبب الوضع الاقتصادي المتأزم الذي أدى به إلى عدم القدرة على تسديد الديون والاستيراد، حيث إن اعتماد هذا البرنامج تمثل في نهج سياسات تقشفية حادة بلغت أقصاها سنة 1983، وزاد من تقويضها فرض رسوم التسجيل بالتعليم الثانوي «50 درهمًا» وبالنسبة للطلبة الجامعيين «100 درهم»، بعدها مباشرة في سنة 1984 شهد المغرب ما يعرف بـ«انتفاضة الخبز»، وهي حركات اجتماعية اندلعت من المدن الشمالية وحتى مدينة مراكش، وانتهت على وقع انتهاكات حقوقية ومآسي امتدت ظلالها إلى اليوم.

إن ولوج المغرب لـ«الخط الائتماني» أو «خط الوقاية والسيولة» الذي جُدِّد للمرة الثالثة منذ سنة 2012 رَجَّح بالمطلق ميزان القوة لصالح صندوق النقد، مما دفعه بقوة إلى فرض قواعد اللعبة، فبالتالي هي عملية لا مفر منها، ويعد التعويم من وصفاته الأساسية للدول المتعاملة معه، ناهيك عن طبيعة الاقتصاد المغربي العتيقة والمتناغمة مع توصيات المؤسسة المالية.

مخاطرٌ تلوح في الأفق:

ستتأثر بالأساس القدرة الشرائية للمواطن بشكل كبير، لأن أسعار التجهيزات والمواد الأولية المستوردة سترتفع بانخفاض قيمة العملة، خاصة وأن 98% من حاجيات المغرب من المنتجات النفطية والطاقية يتم استيرادها، مما سيضعف أكثر كاهل القطاع الصناعي، حيث يُتوقع أن تصل قيمة العملة المحلية في بعض الأحيان إلى 15 درهمًا مقابل دولار واحد! وبذلك فإن المساس بقدرة الأسر على الاستهلاك قد يؤدي للمساس بالسلم الاجتماعي.

خاصة وأن 18% من السكان يعيشون الفقر المدقع، و25% يعيشون تحت عتبة الفقر أو عندها، والتي تقدر بـ 2,6 دولار في اليوم للشخص في الوسط الحضري و2,4 دولار في الوسط القروي، و50 % من السكان يُعتبرون عرضة للأمراض وفقدان الوظائف، فهل سيضع المسؤولون إجراءات مصاحبة لهذه الفئات الهشة؟

صُنِّف الاقتصاد المغربي في «تقرير التنافسية العالمي» لموسم 2016- 2017 في الرتبة 70 وهو بالتالي اقتصاد غير تنافسي، ولا يعتمد على القطاع الصناعي الذي يدعم الصادرات وقوة العملة المحلية، فعند عملية التعويم من المنتظر أن تنخفض قيمة العملة مما سينعش الصادرات أيضًا، أما في حالة ما إذا تم ارتفاع الواردات واستقرت الصادرات أو انخفضت، فعندها سيحصل الضرر الأكبر.

أما فيما يخص استقطاب الاستثمارات الأجنبية فهي تحتاج إلى دعم مؤشرات الاستقطاب، والتي في غالبها لا ترتبط بعملية التعويم فقط، كالمؤشر الحاسم «الاستقرار السياسي، سيرورة المؤسسات…»، والمؤشر المُقاس «الحد الأدنى للأجور، تنافسية الاقتصاد، أسعار الطاقة…»، والمؤشر الذاتي «تحليل المؤثرات التي لم تظهر في الإحصائيات».

أما السياحة فهي تعتبر رافعة للنمو بالمغرب؛ حيث عرفت انخفاضًا في عدد السياح في سنة 2016، وخصوصًا وأن هذه الفترة تتميز بشبه غياب للمنافسين كمصر وليبيا وتونس، مع هذا الفشل هل ستستطيع المملكة فعلاً أن تستقطب سياحًا جددًا من خلال التعويم؟

ناهيك عن الميزانية المخصصة للتسلح والتي تقدر بـ3,5 مليار دولار سنة 2018 وستصل إلى 3,9 مليار دولار سنة 2022، مما سيُبوئ المملكة المرتبة الأولى إفريقيًّا!

في ظل هذه الظروف وبين معارض ومؤيد للقرار هناك تخوف من تكرار السيناريو المصري بالمملكة، حيث ما زالت مصر تعيش ويلات قرار التعويم في أواخر سنة 2016، حيث انخفضت قيمة الجنيه في صباحٍ واحد إلى 40%! وصحبتها إجراءات تقشفية صارخة في حق المواطنين البسطاء.

وفي الأخير فإنه حتى في بعض الدول التي تتميز اقتصادياتها بالتنافس وبتنوع الموارد، فقد عانت شعوبها الألم والمرارة من ارتفاع الأسعار، كروسيا التي عانت لسنتين والبرازيل لخمس سنوات، فهل سيكون الاقتصاد المغربي في مأمن عن هكذا حالات كما صرح والي البنك المركزي؟

إن الآمال والأهداف التي عُقدت على أنظمة الصرف العائمة من إعادة التوازن لم تتحقق، حتى في الدول النامية وما تزال الإشكالات قائمة لحد الساعة، حيث يؤطر غالبًا سوق العملات بعض القرارات السياسية أو الحالة النفسية للمضاربين أكثر من الموضوعية والتفكير المنطقي.

مما يجعلنا نتساءل: ما مدى جاهزية الاقتصاد المغربي، وقدرته على التعامل مع هذا القرار في الظرفية الحالية؟!

The post ماذا يتوعَّد المواطن المغربي بعد قرار تعويم العملة؟ appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست