الأحد، 30 أبريل 2017

ثقفني اون لاين : ثورة القاهرة الأولى 20 أكتوبر 1798.. والأزهر الشريف 

جاءت كلمات الزعيم محمد كريم التي صرخ بها قبيل إعدامه بمثابة كرات لهب أشعلت الغضب في نفوس الشعب الذي ظل يبكي زعيمه وينعي رحيله الدامي. وبدت القاهرة تغلي والنفوس ثائرة والنيران في القلوب حائرة. لقد ظلت كلمات الزعيم كريم: «اليوم لي وغدًا لكم إذا لم تتحركوا» ترن في أسماع الشعب حتى بلغت أرواحهم الحلقوم إلى أن جاءت أوامر السفاح بونابرت بفرض ضرائب جديدة وباهظة على المصريين حتى حلت ساعة الانتقام والخلاص من عبودية الفرنسيين وإذلالهم لأبناء البلد.

كان نابليون قبل الثورة يريد التودد إلى المصريين ويتقرب منهم من خلال مشاركته لهم في أعيادهم واحتفالاتهم في مناسباتهم الدينية والاجتماعية كما فعل في المولد النبوي وحضوره إلى بيت الشيخ السادات لسماع القرآن بعد أن أطلق لحيته وارتدى العمامة وأمسك المسبحة وراح يتمتم سرًا مثل الدراويش. ولا تستغرب أفعال نابليون فهو صاحب المقولة الشهيرة: «إذا أردت أن يطيب لك المقام في بلد تحتله فتظاهر أنك تعتنق دين هذا البلد».

ظل نابليون يمارس ألاعيبه لكنها لم تنطل على عامة المصريين بل راحوا يسخرون منه ويطلقون عليه «سيدي بونابرت» بدلًا من بونابرت وكلما شاهدوه أمامهم يصيحون الفاتحة للسخرية منه.

أصدر بونابرت أوامره للجنرال ديبوي بضرورة فرض الضرائب الثقيلة على أهل القاهرة للإنفاق على جنود الحملة، وأيضًا مصادرة أموال الأغنياء والأعيان لأنهم مصدر الإنفاق على ثورات المصريين، والقبض على بعض شيوخ الأزهر.

قام الجنود بدخول بيوت الأغنياء واستولوا على أموالهم ونقلوا على الجمال والحمير الأمتعة والفرش والسروج وصناديق الأموال، كما قاموا بفرض الغرامات على الأعيان مثل نفيسة زوجة مراد بك التي دفعت مائة وعشرين ألف ريال.

بعد اجتماع شيوخ الأزهر لمناقشة تنظيم الثورة، أمر الشيخ محمد السادات شابًا أزهريًا بأن ينادي في أهل القاهرة لإخبارهم بالتوجه إلى الجامع الأزهر للثورة. ومن هنا توافد الآلاف من الأهالي إلى الجامع الأزهر، واعتلى الخطباء والعلماء منابر المساجد ينادون عليها بالجهاد والاستشهاد لتحرير الوطن من فاشية بونابرت الرهيب. وانطلقت الثورة من الجامع الأزهر إلى الشوارع المحيطة. وبدأ الأهالي في مهاجمة الفرنسيين الذين لاذوا بالفرار وأصابهم الرعب وأسرعوا نحو مقر القيادة الرئيسية في الأزبكية.

وفي الطريق التقى بهم حاكم القاهرة ديبوي، الذي أصدر حكم الإعدام ضد الزعيم محمد كريم. وها هي قد جاءت لحظة الانتقام ورد الاعتبار لزعيم الأمة وشهيدها، وظن ديبوي أن غضبه سوف يهدئ هؤلاء الثائرين، وراح يخطب فيهم على صهوة جواده في كبرياء وزهو حتى أطلق عليه أحد الثوار رمحًا أصاب صدره إلى أن سقط صريعًا مضرجًا في دمائه.

هنا جن جنون بونابرت وقواده ضد الثوار بعد مقتل حاكم المدينة ديبوي، وانطلق الأهالي يضعون المتاريس وينصبون الأكمنة ويزرعون العوائق في شوارع القاهرة استعدادًا لمقاومة الفرنسيين. طار خبر الثورة إلى السفاح بونابرت وزبانيته الذي استشاط غضبًا حين علم بمقتل ديبوي حتى التف هو وجنوده حول المدينة لاقتحامها.

عين بونابرت في ظل اشتعال الثورة الجنرال «بون» حاكمًا جديدًا للقاهرة، وتلقى أوامر شديدة اللهجة من السفاح بضرورة القضاء على الثورة وإن أدى ذلك إلى إحراق القاهرة بالكامل. قام الجنرال بون بجمع رجاله وأصدر أوامره لهم بتثبيت المدافع باتجاه أحياء الأزهر التي يتواجد فيها الثوار والحصون، وأصدر أوامره بدكهم بالمدافع. وفي الظهيرة بدأت أمطار القنابل تنهال على الثوار فدمر كل الحصون التي بناها الثوار، وتطاير الرجال في الهواء من شدة ضرب المدافع، وتمزق الآخرون إلى أشلاء وظل الضرب مقامًا إلى المساء حتى سقط من الأهالي والثوار 4000 شهيد. حتى النساء المصريات لم يسلمن من تلك المذابح وقد طافت أثداؤهن شوارع المدينة واختلطت دماؤهن بدماء الرجال حتى تعانقت بمياه النيل الذي احمرّ وجهه وتلونت مياهه باللون الأحمر. لكنها دماء الأجداد التي كانت ترسم مستقبل الأمة بدمائهم.

كانت القاهرة في ذلك اليوم تعج بالشرفاء حتى توافد عليهم آلاف الأحرار من المنوفية والشرقية والسويس والعرب المغاربة. وبدأت القنابل تمطر عليهم في اليوم الثاني حتى سقط آلاف الجرحى وفاق عددهم أعداد الشهداء. واليوم الثالث للثورة كان يتصف بالبشاعة والدموية، فقد عم الخراب أرجاء القاهرة وتدفقت سيول الدم في شوارعها وانهمرت المدافع تدك الأحياء والبيوت المجاورة للأزهر حتى سقطت على من فيها من أطفال وشيوخ ونساء.

 وقد اعترف الجنرال ريبو في مذكراته بصورة التدمير التي كانت عليها أحياء الأزهر قائلًا: «أصبح الحي المجاور للأزهر صورة من الخراب والتدمير فلم يكن يرى إلا بيوت محترقة ومدمرة ومات تحت الأنقاض آلاف من السكان الآمنين كان يسمع لهم أنين موجع».

وبعد أن عم الخراب أحياء الأزهر، أصدر السفاح بونابرت أوامره للجنرال بون بدك الجامع الأزهر للقضاء على من بقي فيه حيًا. قام بون بتثبيت مدافعه على جامع السلطان حسن وضرب الأزهر بالمدافع، وسقطت قذائف اللهب على من فيه من الشيوخ والمجاورين حتى قتلت معظمهم. وظل الضرب مقامًا إلى المساء حتى كادت أعمدة المسجد أن تسقط.

نزل بون هو وجنوده من أعلى جامع السلطان حسن بعد أن أوقف الضرب، وتلقى أوامر من بونابرت باقتحام الجامع الأزهر للقبض على من بقي مختبئًا. اقترب بون هو و300 فارس بخيولهم وقاموا باقتحام الأزهر بخيولهم. قاموا بربط خيولهم في أعمدة المسجد وقبلته، ثم قتلوا الثوار الذين تحصنوا فيه، وكسروا قناديل المسجد وحطموا مكتبته، وأخرجوا المصاحف وتبولوا عليها، وسرقوا مخطوطات المكتبة النادرة وشربوا الخمر في المسجد حتى ثملوا. ثم قبضوا على علماء الأزهر الذين بلغ عددهم ثمانين عالًما وأرسلوهم إلى سجون بونابرت.

بعد ذلك انطفأت شعلة الثورة بعد سقوط علماء الأزهر في قبضة بونابرت، وتم إعدامهم جميعًا بقطع الرأس داخل القلعة وألقيت رؤوسهم في الشوارع من أعلى أسوار القلعة، وألقيت أجسادهم في النيل.

هكذا كان الأزهر.

The post ثورة القاهرة الأولى 20 أكتوبر 1798.. والأزهر الشريف  appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست