الأحد، 30 أبريل 2017

ثقفني اون لاين : ما الممتع في تدمير حياة شخص ما؟ عبد الرحمن المطيري أنموذجًا

قبل كل شيء، لنتفق أولًا على تعريف للتنمر. يعرّف دان أولويوس (بروفيسور علم النفس في جامعة بيرغن في النرويج والباحث في التنمر المدرسي لأكثر من 40 عامًا) التنمر بأنه التعرض طويل الأمد المتكرر لأفعال سلبية من قبل شخص أو أكثر على آخر. وتتضمن هذه الأفعال (أو الاعتداءات إن صح التعبير) التصرفات التي تهدف لتعريض الآخر للخطر أو الإصابة أو مجرد عدم إراحته وهذا قد يكون بالكلام أو الفعل أو حتى على الصعيد النفسي.

إذًا بعد هذا التعريف الطويل للتنمر التقليدي، نأتي لما سُمي بالتنمر الإلكتروني. ويُعرّف المجلس الوطني لمنع الجريمة التنمر الإلكتروني بأنه عملية استخدام الإنترنت بهدف الإساءة أو إحراج شخص آخر (الضحية). وهذا ما ينطبق حرفيًا على حالة عبد الرحمن. عبد الرحمن المطيري هو مبتعث سعودي إلى الولايات المتحدة، ظهر في عدة مقاطع سجلها في سناب تشات ونُشرت على تويتر وهو يسأل الأمريكيين هل يكرهون المسلمين؟ وهنا ابتدأ التنمر بقيادة مجموعة من مجهولي الهوية في تويتر عليه، أشخاص متخصصون في هذا المجال القذر من التنمر على الآخرين، وكل ذنبه أنه سأل هذا السؤال ولم يُعجبهم شكله وكلامه وطريقة نطقه للغة الإنجليزية. توالت التغريدات التي تذكر هذا الشخص بالسوء وترميه بأقذع الألفاظ بلا ذنب من طرفه. أُصيب عبد الرحمن بانهيار عصبي (كما يقول) أصبح على أثره إنسانًا بلا حياة، «جسدًا يمشي بلا روح»، رجلٌ يتكلم بدون وعي وتخرج الكلمات بلا تفكير. يقول: «أنا والله أفضل من كذا، لكن جبرتوني. الحين شوفوا عبد الرحمن اللي تبونه!».

عبد الرحمن أكمل دراسته، وكان يوشك على العودة لأرض وطنه ليقدم ما يستطيع خدمةً له وردًا للجميل. الآن هو في مصح نفسي بالولايات المتحدة ليخضع للعلاج. والمجرمون موجودون يتمتعون بيوم آخر من التنمر ويبحثون عن ضحيتهم التالية.

ما الممتع في تدمير حياة شخص ما؟

إلى هنا، استنتجنا أن التنمر قد يدمر حياة الضحية (وأعني بالحياة أي كل شيء ابتداءً من العائلة وانتهاء بالعمل). إذًا ما الممتع في فعل مثل هذا؟ لماذا نجد هذا الأمر مضحكًا وممتعًا لهذا الحد الذي يجعلنا نقضي معظم أوقاتنا على الإنترنت وفي تويتر خصوصًا نتنمر على الآخرين؟

تقول سوسان سويرر (بروفيسور علم النفس التربوي في جامعة تكساس) إن المتنمرين (البالغين تحديدًا) يعتبرون تنمرهم مبررًا أخلاقيًا. يعتقد المتنمر أنه يعلم الضحية درسًا، وأنه بسبب غلطة الضحية (أيًا كانت) فهو وكأنه يطلب من الآخرين أن يعطوه درسًا وأن يصححوا له خطأه «بطريقتهم». وما لاحظته سويرر خلال دراستها لحالات التنمر بين البالغين هو أنهم يرون أنفسهم وما يفعلونه هو قتالًا لأجل الحق وقد لا يميزون فعلًا أن هذا هو التنمر بعينه! وهنا يكمن سبب صعوبة البحث حول موضوع التنمر لدى البالغين، حيث إنهم يبررون تنمرهم أخلاقيًا لذلك لا يعتقدون أنهم متنمرون ابتداءً.

قد يُلاحظ أن معظم المتنمرين في حالة عبد الرحمن، هم مجهولو الهوية متخفون خلف معرفات وهمية. ونستنتج من هذه الملاحظة أمرين؛ أولهما أن المتنمر لا يضحي بهويته فهو محمي بهذه الطريقة في نظره. ثانيًا، أنه لا يرى ردة فعل الضحية على أرض الواقع وبالتالي هم معزولون عن الأذى الحقيقي الذي يوقعونه بضحاياهم. في دراسة لمركز بيو للأبحاث عن التنمر شملت 3217 شخصًا، ظهر أن 40% منهم قد تعرضوا للتنمر إلكترونيًا، وأن نصفهم لا يعرف هوية من تنمر عليه. هذا في الولايات المتحدة حيث نسبة الوعي مرتفعة حول التنمر. فكيف تعتقدون ستكون نتيجة هذه الدراسة لو تمت بعالمنا العربي؟

شعور بالسلطة

باعتبارك متنمرًا، رؤية معاناة الآخرين التي تسببت بها كلمة منك أو فعل، تمنحك نشوة النصر وشعورًا بالقوة والسيطرة والشعبية. هذا الأمر يعيدنا لسيكولوجية المعتدي، وشعوره بالضعف الشخصي على أرض الواقع فينعكس هنا على حياته الإلكترونية. الجدير بالذكر، أن من كان قائدًا لهذه الحملة التنمرية على عبد الرحمن في تويتر (وهو مجهول الهوية بالمناسبة)، بدأ بالاعتذار مؤخرًا عما تسبب به على عبد الرحمن مطالبًا «أتباعه» بالتوقف عن الهجوم عليه بعد الذي حصل له. هنا تتضح شخصية القائد بعد النصر، وإنهاك الضحية والقضاء عليها، وتتضح النشوة والشعور بالسلطة.

أغلب الدراسات التي تمت في هذا الباب تقول إن المتنمرين البالغين هم أشخاص ذوو تجارب سيئة مع التنمر في الصغر. لست مقتنعًا بأن هناك إجابة واحدة لسؤال لماذا نتنمر، لكن قد يكون ما قُدم من إجابات أعلاه يمثل جوابًا مقنعًا عليه.

ما حدث لعبد الرحمن قد يحدث لأي أحد منا فاليوم هو وغدًا أنت. التوعية بالتنمر ومخاطره هي أول خطوة في المسار الصحيح إلى مجتمع خالٍ من التنمر ولن يتم ذلك بدون أن نبدأ بأنفسنا وبمن حولنا.

The post ما الممتع في تدمير حياة شخص ما؟ عبد الرحمن المطيري أنموذجًا appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست