في يوليو (تموز) 2012، كنا نسير في طريقٍ طويلٍ مغمور بالمشاة والراكبين من الهاربين من القصف يومها، الحاجز المفتوح الوحيد أطلق الرصاص فوق رؤوسنا عشرات المرات، أصيب من أصيب قبل أن نصل لأقرب نقطة آمنة من القصف. أهالي المدينة خرجوا للشوارع بانتظار الهاربين، فتحوا لهم البيوت قبل المدارس، أعدوا الأطعمة ووزعوها، ولملموا جراح من فقدوا من أهلهم أو أصيبوا، لكن ليس طويلًا، مع استطالة فترة المكوث، والبقاء بلا عمل طوال الفترة، ولدت المشاحنات والحديث الطويل عن الأصل والكرم والأفضلية، وبدأ أسوأ ما يمكن بالطفو على السطح، ليبدأ بعدها الحديث عن رغبة المضيف بإذلال اللاجئين إليه، واستغلالهم وسرقتهم، ورغبة اللاجئين في سرقة لقمة المضيفين وتشويه سمعتهم وتعطيل مشاريعهم.
كلا اللجوءين، الداخلي والخارجي، كانا لضرورة حتّمت على من أراد اللجوء بذل كل ما يملك، بل وبذل أرواحهم حتى، للنجاة من الموت قصفًا أو خنقًا أو ذبحًا، كل أنواع الموت التي عاينوها دفعتهم نحو الهرب وحفظ الأرواح بعيدًا عن الخطر. وكلاهما يواجهان اليوم ذات المشاكل، وإن كانت في الخارجي بشكل أكبر ومضاعف، وبلا إمكان سريع للحلول.
وقد كانت أسوأ التصرفات لما ضخت المؤسسات والفرق الإغاثية مخزوناتها لتوفير الطعام والشراب، عوضًا عن تشغيل القادرين أو تنظيمهم ضمن مؤسسات داخل مكان اللجوء لتبادل المعارف والخروج من حالة العدمية التي دخلوها. ولئن كانت الملامة الواقعة على المنظمات الدولية والإنسانية أنها منحت البيئة الخصبة للمشاكل، عندما جعلت اللاجئ يقضي وقته منتظرًا ما تجود به عليه الأقدار عوضا عن تشغيله أو شغله بما يعود بالفائدة على المؤسسات وعليه، فإن الملامة الواقعة على المؤسسات والفرق الإغاثية والمدنية المنتمية للثورة أكبر، فهم أضاعوا آلاف الشهادات الحية التي يمكن أن توثق لعشرات المجازر والانتهاكات، وقتلوا مئات القدرات التي نمت داخل الخطر من شبان اكتسبوا الخبرات الإعلامية والتنظيمية والتوثيقية، عندما تركوها واتجهوا إلى مشاريع الإطعام وتلبية الحاجات الأولية والاقتصار عليها، مرة لأجل أن يستمر دعمهم المادي، وعشرات المرات لعدم رغبتهم بتكلف عناء العمل الجاد من توثيق واستثمار لما بين أيديهم. وهو ما تم التنبه إليه لاحقًا بعد أن وصلت قدرة الاحتمال في بعض أماكن اللجوء للمطالبة بالطرد الكامل للاجئين، ولكن بعدما انتهت إمكانية الحل البسيط.
لبنان كانت الساحة الأولى والأكثر اشتعالًا دومًا، ومع مواجهة خطاب الطرد بالرفض من قبل النشطاء اللبنانيين تمت تهدئة الأمور ريثما يأتي عائق آخر، إلى متى ستكون التهدئة ممكنة؟ وما الذي يمكن أن يحدث مع الوقت؟ هذا ما لا يمكن توقعه مع جنون العالم المتزايد يومًا بعد يوم.
وعلينا أن نعترف في النهاية أن ما صنعه العديد من اللاجئين، سواءً بخطاباتهم مع المضيفين أو تعاملهم معهم، كان حطبًا للنار الكبيرة التي بدأت. إذ أن ما لقيه السوري وما عايشه وما مر به، جعل كل اعتقاداته والتزاماته تجاه نفسه والآخرين مهتزة، وجعله كافرًا سريع الفوران والتمرد على كل ما يمسه، حتى وإن كان عابرًا في ما هو معتاد، وبمواجهة هذا الفوران ثمة احتقان هائل بسبب خلفيات عقدية وأيديولوجية ومواقف قلصت قدرة الاحتمال، مما ولد كرهًا مضاعفًا لكلا الطرفين، ليس في لبنان فحسب، بل في كل بلدان اللجوء هذه المرة، وبما أن صوت العقل منخفض في مثل هذه المواقف، فإن الحمية والوطنية المهترئة ستكون مسوغًا كافيًا لأي فعل هائج، ولزيادة محاصرة الحدود وإقفالها في وجه من تبقى بلا حيلة في اليد، لتستنزف الجهود المبذولة في إثبات صفاء النية ورفض الاعتداءات والخطابات المحرضة من الطرفين عوضًا عن أن تستثمر نفسها وتتعاون فيما بينها لتشكل واجهة ضد العنصرية والتطرف المشين، أو لبناء خطاب عاقل يحل المشاكل بالقدر الممكن ويسهم في تخفيف الاحتقان والتوتر.
وليس ببعيد كثيرًا إذا ما استمرت الحال على ما هي علي أن نجد العالم يكتب على أبوابه: فليمكث السوريون في بلادهم، فلا قدرة لنا على احتمالهم.
The post اللاجئ.. في نار الكره والرفض appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست