عندما يسيطر الحزن على مشاعرك، فقد تحتاج إلى «كتف تبكي عليه»، وفي لحظات الوحدة تشتاق إلى «ذراع يلتف حولك»، وأوقات التوتر والقلق قد تمر سريعًا حينما «يمسك أحدهم بيدك ويشد عليها». كل تلك الأوصاف ليست مجازية، وجسدك بالفعل هو طريق مختصر إلى حالتك المزاجية، فالعناق قادر على منح الشخص الحزين بعضًا من المواساة، ولكن ماذا لو كان هذا الشخص لا يملك من يمنحه الدعم الجسدي؟
هذا الشخص يمكنه ببساطة التوجّه إلى أحد مراكز اليوجا والتأمل خارج العالم العربي التي توفر تلك الخدمة، وعليه خلع حذائه عند الباب، والجلوس على أحد الحصائر المُخصصة لتمارين اليوجا، ومن ثم يختار وسادة وغطاء، ويستعد لـ45 دقيقة من كسر الحواجز بينه وبين المجموعة المشتركة في «جلسة العناق» لهذا اليوم.
«الجارديان»: مضادات الاكتئاب ليست العلاج! هل كل ما نعرفه عن الاكتئاب خاطئ؟
«ضمني فربما لست بخير»
في السنوات الأخيرة ظهر في أنحاء العالم الغربي – بداية من الولايات المتحدة الأمريكية – نوع جديد من المعالجين النفسيين الهواة، هذا النوع يُطلق عليه «المُعالج بالعناق»، ومهمته مواساة المريض النفسي جسديًا من خلال العناق واللمسات الرقيقة، والتدليل الجسدي الخالي من الرغبة الجنسية، وكأنه طفل صغير يُدلّل من طرف الكِبار.
الأمر ليس جنسيًّا بالمرة، فالمُعالج بالعناق يمنحك شعورًا آمنًا بالتواصل عن طريق التلامس الودي؛ بغرض تهدئة الجسد من التوتر؛ الأمر الذي يزيد نسبة إفراز هرمون الأوكسيتوسين، المُسمى بهرمون الحب *تصريح للـ«نيويورك تايمز» من بريانا كواجي مُعالجة بالعناق.
هؤلاء المُعالجون لا ينتمون إلى عالم الطب، ولم يحصلوا على أي تكوين أكاديميّ معتبر، ولا يتواجدون في المصحات والمستشفيات، والأمر أشبه بفرعً جديد من الأماكن الحُرة التي ترعى الممارسات الروحانية، مثل التأمل واليوجا، ومع ذلك فإن الأمر ينتشر بقوة في العالم الغربي.
عناق بدلًا عن أقراص منومة
بدأ الأمر من خلال منظّمة باسم «Cuddlist» أسستها مدربة اليوجا والتأمل الأمريكية مادلين جوانزو، وهذا حينما استشعرت أن المجتمع متعطش للتواصل الجسدي بهدف الراحة النفسية، ولكن للأسف – وفقًا لتصريح مادلين – الكثير يبدأون علاقات جنسية خالية من المشاعر ظنًا أنهم في حاجة لممارسة الجنس، وما لا يدركونه بعقلهم الواعي أنهم في حاجة إلى عناق، وشخص يتواصل معهم جسديًا على مستوى نفسي وروحي، وليس جنسيًا، وبعد أن حققت تلك المنظمة بعض الانتشار والنجاح ظهرت منظمة «Snuggle Buddies»، و«Cuddle Party» وغيرهما من المنظمات ومراكز اليوجا التي تقدم الخدمة بمقابل مادي.
ترى مادلين أن الإنسان في حاجة للشعور بالسلام الجسدي والعاطفي والانتماء للآخرين، وهذا ما تقوم به المنظمة التي أسستها، والتي تعمل على تدريب المتقدمين حتى يصبحوا صالحين لوظيفة «معالج بالعناق»، مؤكّدة أن تلك الوظيفة رائدة، ولها مستقبل كبير قد يغني المرضى النفسيين عن العلاج النفسي بالعقاقير، وتوضّح أنّ المعالج بالعناق من المستحيل أن يلمس المريض لمسًا غير لائق: إنه لشرف المهنة.
هذا هو الدفء الذي افتقدته في حياتي، لقد كانت تجربة رائعة وتبث الأمان في القلب* شهادة ستيوارت أحد المشاركين في جلسات العلاج بالعناق.
الأمر لم ينتشر في أمريكا وبعض الدول الأوروبية فقط، بل كان لليابان نصيب من العلاج بالعناق، ولكنه ظهر ظهورًا مختلفًا بعض الشيء، فالأمر باليابان أشبه بالتسوق من أجل الأحضان، وهذا عن طريق مقاهي تسمى «Soineya» والتي تعني حرفيًا «مقهى النوم معًا» والبعض الآخر يطلق عليه «مقهى الاحتضان».
وككل مراكز التسوق تعرض مقاهي الاحتضان في اليابان أسعار سلعتها، والاحتضان لمدة 20 دقيقة يكون بـ3 آلاف ين، و40 دقيقة تكلف 5 آلاف ين، ولغير القادرين توفر المقاهي ثلاث دقائق فقط بألف ين، وأغلى سعر هو 6 آلاف ين لساعة كاملة من الاحتضان.
أن تخشى من السعادة.. علامات الإصابة بـ«الشيروفوبيا» والأسباب وطرق العلاج
الطب النفسي يقول: «نعم!»
على عكس ما يتوقع البعض لم تلق وظيفة «المعالج بالعناق» الرفض بين الأطباء النفسيين في أمريكا، بل إن بعضهم سعى لتوسيع سياسته العلاجية من جلسات الحديث مع المريض إلى جلسات عناق بمقابل مادي أعلى، والطبيبة النفسية ديزري روبنسون تعتبر مثالًا حيًا على ذلك.
رغم حصول ديزري على ترخيص قانوني لممارسة العلاج النفسي، سعت للحصول على دورة تدريبية مدفوعة الأجر من منظمة «Cuddlist»؛ ليس فقط من أجل المال، بل رغبة في توفير كل وسائل الراحة النفسية لمرضاها؛ وهذا بعد أن لاحظت أن بعض مرضاها النفسيين في حاجة إلى الملامسة الجسدية الخالية من الرغبة الجنسية، وقد طلب منها أحد مرضاها أن تمنحه عناقًا بالفعل، ومن هُنا جاءت لها الفكرة.
تؤكد ديزري أنّ التقرّب الجسدي من المريض تقربًا غير متفق عليه، قد يترك تأثيرًا سلبيًا لدى المريض؛ ظنًا منه أن طبيبه النفسي يتحرش به جنسيًا، وقد يتطور الأمر إلى لجوء المريض للقضاء، ولكن حينما يعلن الطبيب النفسي حصوله على تدريب على تلك النوعية من العلاج من منظمة متعارف عليها مثل «Cuddlist»، ويدرج تلك الخدمة في إطار ما توفره عيادته النفسية، في هذه الحالة يتم التلامس الجسدي برضا واستعداد نفسي من المريض؛ الأمر الذي يعجّل من شفائه، إذا مارس الطبيب تلك الخدمة ممارسة محترفة أخلاقية.
وإذا أراد الطبيب النفسي، أو المعالج بالعناق أن يأخذ خطوة لاحتراف هذا النوع من العلاج، فعليه وقتها التقديم إلى عضوية هيئة «Cuddle Professionals International» والتي تمنح أعضاءها شهادة مُرخصة معتمدة لممارسة العلاج بالتلامس والعناق، وترفع تلك المؤسسة شعار «نعم للأحضان.. لا للعقاقير».

ولكن لا يرى كل الأطباء النفسيين في العلاج بالعناق طريقة آمنة وناجحة، فالطبيبة النفسية والكاتبة استير بيرل ترى أن العلاج بالعناق أمر شائك، وهذا لأن العناق والتلامس لوقت طويل في الوعي البشري هو تهيئة لممارسة الجنس بين الشركاء وبذلك قد تنشأ علاقة عاطفية حميمة بين المُعالج والمريض؛ الأمر الذي يُعرض سلامة المريض النفسية للخطر، مؤكدة أنها تستخدم العناق وسيلة لحل المشاكل الزوجية الجنسية لمرضاها.
علم الأحياء الدقيقة.. من «لعنة الآلهة والسحر» إلى العلاج بالمضادات الحيوية
علميًا.. كيف يمكن للعناق أن يعالجك؟
المرأة الجالسة على أريكة المنزل بين ذراعي شريكها، وهي تداعب شعره أثناء مشاهدتهم للتلفاز، يمكنك أن ترى السعادة على وجهها هي وشريكها، تلك السعادة حقيقية نفسيًا وعلميًا.
نفسيًا تلك المرأة تشعر بالأمان، والرجل يشعر بالاحتواء، وعلميًا جسد الاثنين يفرز هرمون الأوكسيتوسين، المُسمى بهرمون الحب، والذي يفرزه جسم الإنسان تلقائيًا عندما يعناقه أحد أو يلامس جلده لمسًا رقيقًا حنونًا.

من خلال دراسة نفسية موثقة طبيًا نُشرت في المجلة الطبية العالمية «Psycho neuroendocrinology» اختبر القائمون على الدراسة مدى تأثير هرمون الحب على معالجة الأمراض النفسية الشائعة، مثل: الأرق، والقلق المزمن.
ومن خلال مجموعتين: واحدة منهما تعاطت هذا الهرمون عن طريق رذاذ للأنف، ومجموعة أخرى لم تتعاطى هذا الهرمون، بجانب تقديم العلاج النفسي التقليدي للمجموعتين، احتاجت المجموعة الأولى وقتًا أقل للتعافي؛ مما أثبت أهمية إفراز هذا الهرمون في جسم الإنسان من أجل تعافيه النفسي.
ولكن في المقابل كانت هناك بعض الآثار الجانبية السلبية في المجموعة الأولى؛ نظرًا لدخول الهرمون أجسادهم دخولًا غير طبيعي؛ لتؤكد الدراسة أن هذا الهرمون يكون أكثر فعالية حينما يفرزه جسم الإنسان تلقائيًا، موضحة أن العلاج بالعناق صحيح علميًا، وليس مجرد دجل.
هل تفكر في شراء كلب.. ماذا تعرف عن العلاج النفسي باستخدام الحيوانات؟
هل ينتشر العلاج بالعناق عربيًا؟
على استحياء بدأ هذا النوع من العلاج النفسي الجسدي شقّ طريقه إلى عربيًا، حينما سجّل الإعلام العربي العام الماضي تلك الخطوة التي أقبلت عليها الطبيبة النفسية المصرية سها عيد، وهذا عن طريق إعلانها عن تقديم تلك الخدمة العلاجية بالعناق للمرضى النفسيين، والتي تستمر لمدة شهر واحد؛ من أجل تفريغ طاقة الألم المكبوتة داخل المريض.
وأكدت سها أن العناق سواء للمرأة أو للرجل مفيد للقلب، وعامل مهم للتوازن النفسي، ونفذت تلك الخطوة من خلال ورشة عمل ضمن 10 من مرضاها، ولكن نظرًا لطبيعة المجتمع العربي المحافظ، والتي قد لا تسمح للمعالج النفسي بالتقرب الجسدي للمريض، استعانت سها بأحد المقربين من المرضى في تلك الجلسات، وفي بداية الجلسة تتحدث الطبيبة مع المريض حتى يتخلى عن توتره، ويبدأ في الحديث عن مشاكله، وفي تلك اللحظة التي تستشعر فيها حزن المريض وحاجته للتلامس، تطلب من الشخص الذي اختاره المريض أن يحضنه.
The post «ضُمني فربما لست بخير».. طريقة العلاج بالعِناق تبدأ في الظهورعربيًا appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست