الخميس، 29 يونيو 2017

ثقفني اون لاين : الأنظمة العربية والتدمير الذاتي

المتأمل في مآلات الربيع العربي يجد نفسه أمام وضع عربي غاية في التعقيد والخطورة، يتأرجح بين الفوضى وعدم الاستقرار من جهة، والمؤامرات والثورات المضادة من جهة أخرى. لم تكن الكتل البشرية الضخمة التي خرجت للشوارع العربية صادحة بمطالب الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، متحدية القبضة الأمنية للأنظمة الاستبدادية كافية لتغيير الأوضاع، وتحقيق العدالة المنشودة، إذ اصطدمت كلمات أبي القاسم الشابي: «إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر» بجدار القوى المضادة، فتبعثرت واندثرت بين الشوارع والساحات، وتكون بذلك فقدت حمولتها الثورية كما أرادتها هذه القوى وخططت لها.

من منا لا يتذكر ذلك الرجل الذي علا الشيب رأسه، الذي خرج إلى شارع بورقيبة في تونس للاحتفاء بالحرية إبان سقوط نظام «بن علي»، وهو يردد بصوت جهوري منتشيًا: «هرمنا! هرمنا! هرمنا.. من أجل هذه اللحظة التاريخية». لكن للأسف لم يخطر على بالنا أو بال ذلك الرجل أن الأنظمة القمعية نهجت تكتيكًا سياسيًّا مرحليًّا فاعلًا، انحنت للعاصفة، وانتظرت، ثم انقضت وسطت على المناصب، والأجهزة المؤسساتية، حيث عادت من النافدة بعد خروجها من الباب.

ولم تكتف الأنظمة الاستبدادية فقط باسترجاع ما فقدته أو تنازلت عنه بسبب ضغوطات الشارع العربي، بل إنها عادت بقوة قمعية وتسلطية لم يسبق لجيل الربيع العربي أن عايشها من قبل. فكانت النتيجة عددًا كبيرًا من السجناء وتقييد الحريات وموجات كبيرة من طلبات اللجوء السياسي للبلدان الغربية. وفي خضم هذا الوضع برزت قوى إقليمية ودولية تلاعبت بشعوب وسيادة هذه الدول في محاولات حثيثة لرسم خريطة جديدة للمنطقة، وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ من أجل حماية مصالحها، أو البحث عن موطئ قدم بالمنطقة. ومن أجل تسهيل هذه العملية نهجت هذه القوى سياسة الحصار والمال من أجل تطويع بعض البلدان التي وقفت بجانب الثورات العربية ولَم تتآمر عليها. فأصبحنا نشاهد التدفقات المالية تتوزع على طول وعرض الوطن العربي والدول الغربية من أجل شراء المواقف، وعزل التيارات السياسية الإصلاحية، والدول التي تهادنها أو تستضيف قياديها. هذا العبث السياسي التي تنهجه بعض الدول العربية سوف بالتأكيد يكون له ما بعده، وسوف يؤدي إلى كوارث وبؤر غير مستقرة هنا وهنالك لن تترك نارها أحدًا.

مخطئ من يعتقد أن إسكات قناة إذاعية وإغلاق مكاتبها أو حصار دولة أو عزلها سوف يجلب له الاستقرار السياسي. الاستقرار يأتي بالانفتاح على التيارات السياسية الإصلاحية المختلفة وإشراكها في الحكم، ولا يتحقق بالتضييق على الصحافيين والنشطاء السياسيين والفيسبوكيين، وإحكام القبضة الأمنية على الشعوب. القمع والاضطهاد السياسي سوف يولد لنا جيلًا حاقدًا وناقمًا، وربما قد يستعمل العنف كوسيلة لاسترداد كرامته وحريته.

من الجنون التصديق أن الدول الغربية أو اللاعبين الكبار في العالم مستعدون لحماية الأنظمة العربية من ثورات شعوبهم. الأنظمة الغربية تتقن الابتزاز السياسي، وتعرف جيدًا كيف تستفيد من الأوضاع المضطربة في المنطقة العربية، وهي في نفس الوقت مستعدة لتغيير الاصطفافات السياسية أو الاستراتيجية كلما دعت الضرورة لذلك، أو تغير الوضع. فطوق النجاة الوحيد للأنظمة العربية هو التخلي عن السياسات الرعناء وفتح قنوات الحوار والتواصل مع القوى والتيارات السياسية المعارضة المختلفة. غير ذلك فإن العرب عرضة للزوال، وسوف يكونون لقمة سهلة، وخزانًا اقتصاديًّا وسياسيًّا تابعًا للقوى الدولية العظمى، ولن تكون لهم أية قيمة أو وجود سياسي، وسوف يتقاذفهم المتربصون بهم في كل الاتجاهات. أما آن الأوان أن نحكم العقل وتعمل الأنظمة والشعوب سويًا من أجل نهضتها وازدهارها؟

The post الأنظمة العربية والتدمير الذاتي appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست