الجمعة، 30 يونيو 2017

ثقفني اون لاين : كيف نكون أعداء أنفسنا؟ الحركة الطُلابية في تونس نموذجًـا

 

التعددّيةُ حيــاة، هذا ما يُمكن استنتاجهُ بنظرةٍ خاطفةٍ على واقع الجامعةِ التونسيّة، فقد يقولُ البعضُ إنّ التعدد النقابي أمرٌ صحيّ يصبّ في مصلحة الطلبة قبل كُلّ شيء، فإلى جانبِ اتسّاعِ مساحةِ الاختلاف وتلاشي التماهي وثقافةِ الانتماء الأعمـى المُنتشرةِ أيّام النظامِ السابق، فإنّ تنافس نقاباتٍ عديدةٍ على الدفاع عن حقوق الطّلبة وخدمتهم عن تطوّعٍ وتطوير الوعي العـامِ في الجامعات، هُو ما يجعلُ التعددّية النقابية أمرًا إيجابيّا. لكـنّ النظراتِ الخاطفة لا يُمكنها بأيّ شكلٍ أن تُدركَ بواطن الأمور فإنّ نظرة واحدة فوقيّة لا يمكنها استيعابُ واقعٍ شائك، بل إنهّا امتدادٌ لمثاليّةِ النـُظّمِ التي تُنادي بإسقاطِ تعدديّةٍ غير مدروسة على المشهدِ الطلابيّ المُتوتّر، دون الأخذِ بعين الاعتبار طبيعة تاريخهِ وخصوصيّاته.

الحـركةُ الطلاّبية لا يُـمكنُ أن تُختزلَ في تحرّكاتٍ احتجاجيّة واجتماعاتٍ عامّـة، ولا يُمكنُ أيضًا أن تُنّمـط بأن تُصبح «ممارسة السياسة داخل الجامعة» كمـا انطبعت في أذهانِ الكثير من الطّلبةِ الذّين اكتفوا بالأخذِ بمُسلمّاتٍ مُتداولة وأحكامٍ جاهزةٍ لتفسير هذهِ اللّفظةِ المُبهمـةِ التي يتناسى الجميعُ تفسيرهـا.

تحديد مفهوم الحركة الطلابية أمرٌ مقترنٌ بالحيزِ الموضوعيّ الذي نشأت فيه. الجامعة – في المُطلق- مؤسسة تعليميّةٌ يمثل فيها الطلبة طرفـًا جوهريًّـا، وبحُكم طابعها الاجتماعيّ- الثقافّي الذي لا يُمكنُ أن يكون بمنأى عن الوضعِ العام للبلاد، وُلدت الحركة الطلابيّة حركة اجتماعية تحررية بالأساس، تضمنُ درجة من التماسك وحدّا أدنى من التنظّيم يُمكّنُ مكوّناتها – أي الطلبة- من وحدة الفعل والموقف عوضًا عن الرفضّ أو النقد العفوي المُشتت لما يحدثُ داخل أسوار الجامعـة وخارجها، فالتنظّيمُ وامتلاكُ قاعدة جماهريّة «نسبيًّا» يُعطيها مشروعيّة التمركزِ داخل النضّال الاجتماعيّ بدرجةٍ أولى، حسب مُقتضياتِ المرحلة طبعًا، بأن تُصبح قـُوّة رافضة وتنخرط في نضال شعبها باعتبارها جُزءًا لا يتجزّأُ مــنـهْ.

لعبت الحركة الطلابية في تونس عبر مسيرتها النضالية هذا الدّور على أحسنِ وجه من مُقاومة الاستبدادِ والالتزامِ بقضايا شعبـها إلى الذّود عن حقوق الطلبة المادّية والمعنويّة، لكنّ هذا لم يمنعها من التصّادم والانقسامِ وخلقِ مناخٍ متوتّـر هُو السببُ الرئيسيّ «لا أُبالغ» في عزوفِ الطّلبة عن النشاط النقابّي.

لئن ظهرت خلال السنوات التي تلتْ الثورة منظماتٌ نقابية جديدة كمنظمة «صوت الطالب التونسي» و«شباب النهضة» وطلبةِ النداء كامتدادٍ لنشاط منظمة طلبة التجمع الدستوري الديمقراطي، فإنّ المنظمتيّن الأشدّ تصارُعًا وحضورًا على الساحةِ هُما دون شكّ الاتحادُ العام لطلبة تونس والاتحاد العام التونسي للطلبة، المنظمتان الأكثر شعبيّة، تاريـخٌ طويل من المعارك، صِراعُ وجودٍ بين ضدين يجعـلُ الحديث عن منافعِ التعددّيةِ ضربًا من السذاجةِ والبلاهة، كالحديثِ عن حلّ الدولتينْ في القممِ والمجالسْ، هروبٌ من الواقعِ والتّـاريخْ.

الاتحاد العام لطلبة تُـونس– المشروعُ التقدميّ:

تأسس الاتحاد العام لطلبة تونس بعد مؤتمر عقد في باريس في سنة 1953، وتقرّرت شعاراته المركزية «من أجل جامعة شعبية وتعليم ديمقراطي وثقافة وطنية، واعتبار الحركة الطلابية جزءًا لا يتجزأ من الحركة الشعبية، والقضية الفلسطينية القضية المركزية لحركة التحرر الوطني العربية». على مدى السنّين، أخذ النضال ضمن صفوفه بُعدًا سياسيًا أكثر عمقـًا ونضجًا، وحوّل مطالب الحرية والكرامة والديمقراطية إلى شعارات مركزية، محطّاتٌ عديد أذكرُ منها الإضراب العام في يناير/ جانفي 1978 وانتفاضة الخبز في يناير/ جانفي 1983. والمحطّة الأبرز 2008 في انتفاضة الحوض المنجمي.

منظّمةٌ عريقـة بدأت من الوسط التلاميذّي وأنجبت مناضلين وقياداتٍ وطنيّة، لكنّ هذا لا يمنعُ أنّ أبناءها – ولو سهوًا- قد أجرمُوا في حقّـها. الاتحاد العام لطلبة تونس 2017 لا يُشبهُ الاتحاد التاريخيّ في شيء، بل أصبح مرتعًا للتصّارُعِ الحزبّيّ بين فصائلِ الانتماءِ الواحدِ، غرورًا أو غباءً، أفضى الانقسامُ في صفوفهم إلى الانقسامِ التنظيميّ، فالصراعُ ليس مقتصرًا على مُعاداةِ التنظيماتِ الرجعيّة، بل إنّ أبناء الاتحاد صاروا دون أن يدركوا أعداء أنفسهم.

للانقساماتِ تاريخٌ طويلٌ تُرجم من خلالِ المؤتمراتِ المتعددّة التي تُفرزُ قياداتٍ جديدة، أحدثها، الصرّاعُ بين أماني ساسي ووائل نوار؛ حيث وصلت موجات العنف بين شق «مؤتمر رد الاعتبار» و«مؤتمر البناء» في 27 يناير/ جانفي 2014 إلى أقدام «النقابيين الراديكاليين» على طعن عضو الاتحاد العام لطلبة تونس علي بوزوزية بواسطة سكّين.

2017 السنةُ التي من المفترض أن تكون سنة الوحدةِ والنُّضـج، أفضت إلى المزيد من الانقسامات، وهذهِ المرّة بين أطيافِ الجبهة، خلاف بين اتحاد الشباب الشيوعي التونسي واتحادُ شبابِ الوطد، أيام المؤتمر يُـضاف إلى صراعِ الفريقيـن مع النقابيين الراديكاليين، تمزق جعل الاتحاد العام لطلبة تـونس أصلاً تجاريًّا كُلًّ يدّعـي أمانتهُ العامة وسط ذهولِ قُدماءِ الاتحّاد والطلبة المُـستقليّن، الذين حاولوا أن يكونوا جُزءًا من الحلّ لا المُـشكِـلْ، فوُلـد وسط فوضـى الولاءاتِ «الـتوّجـهُ الطلّابي القاعدي»، مبادرةٌ تجمعُ الطلبـة المستقلّين الذين لا تعنيهـمْ صراعاتُ المناصب الوقتيّة.

الاتحاد العام التونسي للطلبة – المشروعُ الإسلاميّ

في مايو/ ماي 1988، تأسس الاتحاد العام التونسي للطلبة الذراع الطلابية لحركة النهضة. عمدت مجموعة من الطلاب الإسلاميين إلى اطلاق مشروع من «أجل طالب حر» لحل أزمة نقابات الطلبة. أقيم مؤتمرهم في كلية العلوم بتونس ليصبح مؤتمرًا تأسيسيًّا لمنظمة طلابية جديدة أطلق عليها اسم الاتحاد العام التونسي للطلبة تحت قيادة الطلبة الإسلاميين. بادر الاتحاد العام التونسي للطلبة بإطلاق المشروع النقابي الديمقراطي الذي يهدف إلى إخراج الجامعة من الاستقطاب الثنائي، وإنهاء ممارسات العنف داخل الجامعة التونسية، وتكريس ميثاق مشترك للعمل النقابي الطلابي.

لكـنّ نشاط هذه المنظمة محدود كونها الآن في طور إعادة البناء، خصـوصًا أن المنظـمّة ذات التوّجُه الإسلامي تواجه اتهاماتٍ بضلوعها في استقطاب الطّلبـةِ إلى تنظيماتٍ متطرّفة.

الحـرب :

رحلة طويلة من القطيعة والصراع تعود بداياتها إلى أربعين عامًا، واجه اليسار في تلك الفـترة وِلادة الحركة الإسلامية، واعتبرها منذ ذلك الوقت كائنًا هجينًا غيْـر مرغوب فيه، وكان ذلك موقفـًا راديكاليًّا مُستمرًّا ثابتًا إلى حدّ اللحظة. شنّ اليسارُ حربًا سياسية على الحركة الإسلامية باعتبارها «رأس حربة للنظام الدستوري وأداة تُـحرِّكها الإمبريالية ضد القِـوى التقدُّمية والثورية في العالم العربي». وشهدت نتيجة ذلك الجامعة التونسية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي معارك طاحِـنة بين الطرفين.

كليّة رقادة، صفاقس، سوسة، ڨفصة، المنار، منوبة، تكرر لمشهد العنف الذي أصبح بعد الثورة مألوفًا لدى عمومِ الطّلبة ليزيد من عزوفهم ورهبتهم من النشاط الطُلاّبي.

يقولُ الأستاذ هيكل المكي في هذا الإطار في حوارٍ مُطّول مع جريدة الشروق التونسيّة «الجامعة التونسية طوال تاريخها كانت تسمح بهامش من العنف ضد القوى الرجعية، وكان مبررًا بالإيديولوجيا، لكن اليوم اتخذ أشكالاً أخرى؛ فالجامعة هي انعكاس لما يحدث في المجتمع من مظاهر العنف وثقافة العنف، يبقى أن هناك أطرافًا سياسية في الساحة الشعبية تعرف أهمية الحركة الطلابية والجامعة، وفي إطار تجاذبات الهدف منها السيطرة على الهياكل النقابية للطلبة تستدعى أحيانًا هذه الوسيلة لتحريك جامعة، أو لتحقيق بعض المكاسب التكتيكية داخل الجامعة التونسية».

ويُواصل متحدّثـًا عن الحُلـول: «الخطر يكمن في إمكانية أن تحيد الجامعة التونسية وطليعتها الطلابية عن ممارسة دورها الطليعي في قيادة مجتمعها نحو التقدم والسلم والاستقرار، وكذلك عجز الجامعة التونسية عن تكوين إطارات وكوادر حقيقية لدعم الساحة الشعبية السياسية طبعًا بعناصر جديدة أكثر حماسة وأكثر تطور. حسب اعتقادي تتم معالجة هذه الظاهرة باستقلالية الحركة الطلابية عن الأحزاب الموجودة في الساحة، وبالرجوع إلى المبادئ الكبرى التي حددت تاريخ الحركة الطلابية التونسية وشعاراتها التاريخية مثل «يسقط حزب الدستور يسقط جلاد الشعب» و«سحقـًا سحقـًا للرجعية دساترة وخوانجية» والمبدأ العام هو الصراع في إطار وحدة الحركة الطلابية».

انقـسامٌ حـادّ، تعيشه الحركة الطلابية التونسية بعد الثورة يصل إلى حدّ خوف من تنظيم نشاطات خشية التصادم والعـنف، بين أبناء النقابة الواحدة وبين النقاباتِ المختلفة، صراعٌ لا منتصـر فعلي فيه، لكنّ المتضررّ الأبرز هُـو الطّالب، فراغْ يهددّ الذاكرة الطلابيـّة لتصبح هذه السنواتُ فجوة مخجلة في تاريخ الحركة الطُلاّبيـة، وتنتج جوًّا مشحونًا قاتمًا سماتُه الرفض والكراهية.

تم إعدام الحركة الطلابية بشكلها الكلاسيكيّ القديم وتعويضـها بحركة معزولةٍ عن الواقع تتخبطُ في صراعاتها الداخلّية وتدور في حلقاتٍ مُفرغة، أغلب المبادراتُ والحلـول تولد ميـتّة أو تلقى رفضًا وتحجّرًا عبر مواقف بالية لا تُناسب واقع الجامعة سبع سنواتٍ بعد اندلاع الثّورة.

معهـد الصحّافة.. تجربةٌ تُذكرْ فتُشكر :

المُواجهة، ما قد يكون إثباتًا للذّات والكفاءةِ غير المواجهة؟ نظّم طلبةُ الصحافة قُبيـل انتخاباتِ المجالس العلمية 2017 مناظرة كلاميـّة بين الأطراف المُتنافسة عبّر فيها كلّ من المنظمتيـن عن ماهية خلفياته وتاريخه ودوره، بحضور الطّلبة وتنظيم ذاتّي رائع أظهر نضج طلبة المعهد وقدرتهم على النقاش والإقناعِ والتواجـهِ بسلاح الفكرةِ والحجّة، بقوّة الحقّ على طاولة النقاش، لا بحقّ القوة في الساحاتْ لترويع الطلبة وترهيبهم من العمل الطُلاّبي.

The post كيف نكون أعداء أنفسنا؟ الحركة الطُلابية في تونس نموذجًـا appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست