عندما عجز كفار قريش من إيقاف دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم- ومنع الناس من الالتحاق به واعتناق الدين الذي يدعو إليه، بخاصة بعد أن جربوا كافة الطرق لمنعه، سواء بالترهيب والتعذيب والقتل، أو بالترغيب وإغراءات المال والمنصب، قرروا بعدها أن يحاصروا النبي ومن معه من المسلمين، ومقاطعتهم حتى يهلكوا جميعًا، أو يرجعوا عن دينهم ويسلموا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حيًا ليقتلوه، وقد انحاز مع النبي والمسلمين الذين معه أقاربه الذين كانوا كفارًا انحازوا معه حمية ووقوفـًا مع العدل ضد ظلم قريش، وقد استمر الحصار ثلاث سنين، حتى أكل المسلمون ومن معهم أوراق الشجر وجلود الحيوانات!
وقد دفع المحاصرون مسلمهم وكافرهم ثمن وقوفهم مع النبي ونصرته ثمنًا باهظـًا، من جوع وحرمان وعزلة، ولم يثنهم ذلك عن الثبات على موقفهم، صورة تجسد الثبات على مواقف الحق ونصرته، والتمسك بالقيم النبيلة في نصرة المظلوم!
لقد أقدم كفار قريش على أمر عظيم، خرقوا به كل عادات العرب وقيمهم وضربوها بعرض الحائط من شدة غيظهم وكرههم للنبي – صلى الله عليه وسلم- ودعوته، فقد كتبوا وثيقة الحصار في الشهر الحرام في البلد الحرام، وهي خطوة مخالفة لكل عادات العرب وقيمهم، وقد أقسموا بآلهتهم ألا يناكحوا بني هاشم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يقبلوا منهم صلحًا أبدًا.
وعلى مرارة الحصار وقسوته، إلا أنه كان له من الخير الكثير عاد به على الإسلام؛ فقد عابت القبائل العربية على قريش فعلها المشين مع بني هاشم ومن معهم، واعتبروه ثلمة كبيرة بحق قريش، حتى هانت قريش في أعين كل القبائل العربية بعد أن كانت مهابة مطاعة، كما كان لهذه الحادثة أثر كبير في دخول الناس في الإسلام لمِا رأوه من ثبات على الحق ومطاولة وصبر.
لقد كان لهذا الحصار نتائجه العكسية على كفار قريش؛ فقد أعطى زخمًا شعبيًا وتأييدًا واسعًا لدعوة النبي لمِا وقع عليه وعلى من معه من ظلم، حتى خرج نفر من كفار قريش وتحدوا سادتهم وكبراءهم وكسروا الحصار حمية، ووقفوا مع الحق والعدل ولإدراكهم أن هذا الحصار الظالم ينافي عادات العرب وأخلاقهم، وسيجلب عليهم الخزي والعار بين القبائل العربية الأخرى.
إن الثمن الذي يدفعه شعب قطر اليوم من حصار ظالم وتهديد بالمقاطعة والعزلة، هو ثمن انحيازه للشعوب الحرة التي خرجت تطلب الحرية وتُسقط أصنام الاستبداد، ومساندته للربيع العربي وشعوبه التي خرجت بوجه الظلم والاستبداد، وإيواء الأحرار الفارين من بطش الطغاة والجبابرة.
إن مشروع ترامب الذي جاء به للمنطقة في زيارته الأخيرة، يهدف بشكل رئيسي لإنهاء أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية، ومحاربة أي جهة تدعمه دولة كانت أو جماعة، وبدأ التطبيع بعلاقات اقتصادية وسياسية مع إسرائيل، ومن يتمرد على هذا الخيار سيكون مصيره مصير قطر!
مشروع ترامب الجديد بدأ بشعب قطر ولن يقف عنده، فسيمر على شعب الكويت الذي ساند الثورات، وبما يملكه من فسحة وحرية محدودة، وصولاً إلى تركيا التي انحازت لقضايا الأمة ووقوفها مع المظلوم، وسيحارب مشروع ترامب أي صوت حر يطالب بتحرير الشعوب من قبضة الطغاة والجبابرة وإن كان على سطح القمر.
مشروع ترامب الذي جاء به هو بداية مرحلة جديدة تخطط لها أجهزة مخابرات الدول الكبرى للبدء بتنفيذ خططهم القديمة، وهي تقسيم المقسم من دول ضعيفة إلى دول الطوائف الأكثر ضعفًا.
إن حصار شعب قطر هي محاولة جديدة لإنعاش الثورة المضادة التي قادتها بعض الدول العربية بإشراف أمريكي، والتي فشلت فشلاً ذريعًا، بل أعطت نتائج عكسية لحصول الأحرار على تأييد الشعوب المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها، ومساندتهم لتحقيق تطلعاتهم في العيش بحرية وكرامة.
الثورة المضادة التي عكست خوف الدول التي قادت هذه الحملات المسعورة ورعبهم خشية أن تصاب شعوبهم بعدوى الثورات التي بدأت تنتشر بالمنطقة انتشار النار في الهشيم، وتنتقل بسرعة البرق من شعب لآخر، وخاصة بوجود عوامل محفزة كثيرة كان أهمها تفلت آلة الإعلام من أيدي النظام الدولي وباقي طغاة المنطقة، والتي خسر بها الطغاة مادة التأثير والتغييب التي كانوا يستخدمونها ضد الشعوب طوال المائة عام المنصرمة.
إن شعوب المنطقة بشكل عام، والخليج بشكل خاص، تغلي تحتها براكين من الغضب قد أُغلقت فوهاتها فتاوى علماء السوء – فتاوى التخدير والنوم- إلا أن أقنعة أركان عروش الطغاة بدأت تسقط وتنكشف وجوههم الحقيقة، حتى يسقطوا سقوطـًا مدويًا لنرى بعدها تهاوي عروش الطغاة وانهيارها إلى الأبد.
سوف تستحضر الشعوب المسلمة الحرة موقف الشجعان من كفار قريش، الذين كسروا الحصار الذي فرضه قادتهم من قريش على النبي – صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المسلمين وغير المسلمين.
لن تنسى الشعوب الحرة المواقف المخزية لدول الحصار ومن سار في ركبهم من كتاب ومفكرين وإعلاميين طبلوا لهذا الحصار الظالم، مثلما لم تنس القبائل العربية موقف قريش وعملهم المشين في حصار النبي ومن معه من المستضعفين، مسلمين كانوا أم كافرين.
سيخلد التاريخ بأحرف من نور المواقف النبيلة للأحرار الذين انحازوا للحق ووقفوا بوجه الظالم، كما خلد التاريخ شجعان قريش وإن كانوا كفارًا، الذين فكوا الحصار عن النبي، وستمتلئ مزبلة التاريخ بأصحاب المواقف المشينة تجاه المستضعفين، دولاً كانوا أم جماعات أم أفراد، كما امتلأت بأسماء قادة قريش وفعلهم المشين تجاه النبي ومن معه من قبل.
حصار قطر لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير سيميز الله به الخبيث من الطيب، ويمحص الله به الصفوف، فالفتن والابتلاءات تضع الناس على المحك وتُظهر معادنهم الحقيقية، وتُسقط أقنعة الخونة والعملاء الذين كانوا يستترون خلفها، سواء أكانوا دولاً أم جماعات أم أفراد.
حصار قطر وما سيتبعه من إجراءات نحو التصعيد، والتي ستطول شعوبًا أخرى سيدفع بالشعوب الحرة لمساندة الشعب القطري وانحيازها بالكامل مع قضيته والوقوف بوجه الظالم كائنًا من كان، مما يجعل الشعوب في مواجهة وتحد مع حكوماتها كما فعل نفر قريش، وهي بداية الثورة المضادة على الثورة المضادة على ثورات الشعوب الحرة الربيع العربي.
The post حصار قطر! لا تحسبوه شرًّا لكم appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست