انهمرت الحشود داخل القصر، بعد أن أذن الملك بفتح أبواب القصر، حملوا منه حد استطاعتهم، كنوزًا كثيرة لمن يشاء ولشهر كامل!
هذا ما نقرأه من رسالة رمضان: كنوز مجانية وموسم عطايا وأوكازيون حسنات، وما عليك من جهدٍ سوى هذه المشية البسيطة إلى القصر، وثقل حمل الكنوز على ظهرك، لكن العجيب أن منا ما يستصعب المشية، ويستثقل حمل الكنوز من القصر، فيجعل يده مغلولة في كسل روحه حتى يرى فقر طاعته بين عينيه عند الموت!
أما رسالة رمضان الحقيقية إلينا التي باتت كأنها مكتوبة بالحبر السري، وتاهت عن أرواحنا كثيرًا، وقرأها الأولون بوضوح، فإليكم خبرها:
قال الملك جل في علاه: «كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، فالعلة من رمضان، التقوى أو قل: «التربية»، وما أجمل التربية التي تتزين في ثوب العطايا.
فرمضان هو «مصباح العام» كما قال ابن القيم، وكما قال رسول الملك وخاتم أنبيائه: «الصيام نصف الصبر» رواه ابن ماجة.
ومَن حمل قنديل الصبر في قلبه من رمضان أضاء له وجهته لباقي العام، أو قل لباقي عمره!
نعم؛الرسالة هي التربية: أترى هذا الوالد الذي يذهب بابنه إلى معسكر تدريب مكثف كي يدربه على «الوثب» استعدادًا للمسابقة، وفي خضم التدريب يحصل الولد على أعظم هديتين دون أن يشعر: الأولى كتلة العضلات وطول النفس الذي اكتسبه من معسكر التدريب هذ، بجانب الوجبات الرائعة التي استمتع بها، والمال الوفير الذي اكتسبه من مكوثه في التدريب، أما الهدية الأعظم والأثمر، أنه بات «يستطيع»، وهي علة والده من التدريب: أن يقفز ابنه مرة فيدرك يقينًا أنه سيفعلها ألف مرة، ويصبح خوض المسابقة والنجاح فيها سهلاً وكأنها باتت ماضيًا يرتدي ثوب المستقبل القريب ليس إلا.
رمضان لم يكن قصر الملك الوحيد في العام، بل هناك قصور كثيرة وكنوز أكثر يهبها الملك لمن يقترب منه، لكن رمضان جاء بأهم جائزة وأعظم كنز، ثوب الاستطاعة الذي نرتديه فيه دون أن نشعر!
أيها الابن المدلل من عطايا ورحمات الملك الكريم، لقد قفزت في معسكر «رمضان» مرة ومرات كثيرة ونجحت فيها، فحتمًا ستقفز ألف مرة بعدها، وحتمًا أصبحت روحك قادرة على تخطي الحاجز، والنجاح في المهمة والفوز بجائزة المسابقة.
أهتف في أذنيك، وأحدث روحك وأضخ الفرحة في قلبك بتذكيرك ببعض القفزات التي قفزتها:
القفزة الأولى: صمت يومًا شديد الحر، عذرًا لقد صمت ثلاثين يومًا متتاليًا في حر الصيف، وصبرت وأكملت، تستطيع بعده أن تتقرب للملك وتبتعد عن نار جهنم سبعين خريفًا بصيام يومٍ واحدٍ شديد الحر، فأخبرني بربك ومع نفسك، كم خريفًا ستبتعد عن جهنم بالصيام بعد رمضان؟
القفزة الثانية: فتحت كتاب الله وقرأت، وقد تكون ختمت، ومنا من ختمه أكثر من مرة، إذن أعلم يقينًا أنك بسهولة تستطيع أن تقفز مرات أخرى بعدها وتقرأ كلمات السماء إلى الأرض وتهتدي به في ظلمات الفتن.
القفزة الثالثة: حافظت على فرائضك ولمست سهولتها وجميل أثرها على روحك، حتمًا لن تهدم عمود الإسلام بعد رمضان، ستقويه وتجمله.
القفزة الأهم: جاءتك الشهوة وحاصرتك في صيامك، كان كل حجة نفسك وشيطانك قبلها أن الشهوة إذا أتت ذهب العقل، هدم رمضان زعمك وأصبح جليًا لك أن العقل مع وجود الإيمان في القلب أقوى من أي شهوة، فالتقوى سدٌ منيع أمام سهام العدو، وكما تخطيت فورة الشهوة هذه بـ«اللهم إني صائم» ستتخطاها بعد رمضان بـ«اللهم إني تائب»، هزمتها حقًا وستهزمها ألف مرة بعدها.
قفزة أخرى: قيام الليل، تلك الصلاة الثقيلة علينا وعلى ضعفنا، لقد صليتها أكثر من مرة في شهر، ومنا من صلاها ثلاثين يومًا متتاليًا لم يتخلف مرة، فبعد رمضان لن تتنازل عليها ولو مرة كل أسبوع، ولو ركعتين خفيفتين يوميًا قبل المنام تناجي فيها ربك.
وقفزاتٌ وقفزات وثبتها، فعلت طاعات لم تفعلها قبلها، وتغلبت على شحك وأنفقت الكثير في الشهر الكريم لله الأكرم، وتجنبت كثيرًا من المعاصي والعادات السيئة، فربك ورمضان وروحك يخبرونك أنك تستطيع!
وأخيرًا، هل يبدو عاقلاً من أخذ ذهب القصر وكنوزه ثم رماها بيده في بحر عميق، وهل ربح من سوق رمضان من حصَّل منه مالاً وقوتًا ثم أحرقهم وهو عائد؟!
«ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا»
فطوبى لمن ربح من رمضان قناطير التقوى ومؤن الاستطاعة فأكمل بهم عامه وعمره، وأدام عمله لله ولو كان قليلاً.
وحسرة لمن رأى رمضان، ذاك الشهر الذي نقبل فيه على الله، ثم نذهب بعده وكأننا في حلم صغير، واستيقظنا منه على واقع لأرواحنا مرير يرتدي ثوب العجز!
لو أعطاني الله بوقًا أنفخ فيه فينصت إليَ كل الصائمين في مشارق الأرض ومغاربها، لقرأت رسالة رمضان الحقيقية لنا: أنت تستطيع!
The post رمضان.. بالحبر السري! appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست