العلاج إذا لم يُصِبْ جذور البلاء فلن يكون له فائدة ولا أي أثر إيجابي على المدى المتوسط والطويل، لذا فظاهرة تفاقم عدد اللاجئين القادمين من دول إفريقية مثل مالي والنيجر وغيرهما هي معضلة يجب دراستها وتشخيصها من جذورها لمعرفة الحل، أمَّا إثارة الرأي العام مِن قِبَل بعض الجهات التي لها حساباتها الخاصَّة فلن يؤتيَ أي ثمرة مهما طال النقاش.
استيقظ الجزائريون على حملة إلكترونية شعواء تحت عنوان «طرد اللاجئين الأفارقة من الجزائر»، شاركت فيها آلاف الحسابات على منصتي فيسبوك وتويتر، حيث طالب بعضهم بـ«تنظيف» البلاد من هؤلاء «الأشرار» الذين يحملون معهم الأمراض الخَلْقيَّة والخُلُقيَّة، فقد زعم نشطاء الفيسبوك أن اللاجئين يحملون فيروس الإيدز الذي سيهدد المواطنين بكارثة صحية لم يسبق لها مثيلٌ في تاريخ الجزائر، وأضاف النشطاء أن اللاجئين باتوا يهددون الأمن والسلم وذلك بقيامهم بعمليات سرقة ونهب واغتصاب طالت مواطنين ومواطنات في عدة ولايات جزائرية، واستعانوا بمجموعة من الصور والفيديوهات التي توضح جرائم الأفارقة في كثير من الأحياء الفوضوية سواء في العاصمة أو غيرها من المدن، واللافت في هذه الحملة الغريبة أنها انطلقت فجأة دون سابق تمهيد رغم أن الجزائر فتحت باب اللجوء منذ بدء العدوان الفرنسي على دولة مالي وتدخُّلها الاستعماري السافر في القارة الإفريقية لإبقاء سيطرة باريس على ثروات وشعوب القارة السمراء، أقول: رغم أن ظاهرة اللاجئين مضى عليها نحو 6 سنوات حتى باتوا يمثِّلون جزءًا من النسيج المجتمعي يشاركون الجزائريين مناسباتهم ويساعدون في توفير اليد العاملة القوية، إلا أن المطالبة بطردهم جاءت جزافًا ليس لها سابق إنذار أصلا، لكن من يدقق النظر في هذه الحملة الغريبة على أخلاق الجزائريين سيجد عوامل مشتركة واضحة بين النشطاء الذين طالبوا بطرد اللاجئين، يمكن رصد هذه العوامل في عدة نقاط أهمُّها ما يلي:
أن أصحاب حملة «طرد اللاجئين الأفارقة من الجزائر» يمثلون الشريحة الفرنكوفونية في البلاد، ولا شكَّ أن المرتبطين بالثقافة الفرنسية «les francophiles» من أشد الناس عنصريَّة ضد الآخر خاصة إذا كان هذا الآخر من أصحاب البشرة السوداء، وفعلا قد وجدتُّ غالب الناشطين في هذه الحملة اللاأخلاقية يُعيِّرون اللاجئين بلونهم الأسود، وهذا دليل صارخ على أنها حملة عنصرية مخالفة لكل الشرائع والأعراف والقوانين.
التناقض الواضح بين الواقع الذي يعيشه المطالبون بطرد اللاجئين وبين ما يتغنَّون به من قِيَم ومبادئ، فالجزائر تعيش مرحلة تعيسة جدًّا من التخبط السياسي والتفكك الاجتماعي بسبب غياب التمسُّك بثوابت المجتمع الجزائري والمتمثلة في «الإسلام والعروبة والأمازيغية»، فهذه الثوابت كلها تؤكد على كرامة الإنسان دون النظر إلى عِرْقِه وجنسه ودينِه ولغته، وتؤكد على كرم الضيافة والإحسان إلى المستجيرين، خاصة في ظروف قاهرة حين يتعرض البشر إلى الظلم من طرف المستبدِّين أو قوى الاحتلال، فحملة طرد اللاجئين ضربت عرض الحائط بكل هذه الثوابت والقيم التي هي متأصلة في المجتمع الجزائري.
كثير من النشطاء في هذه الحملة يقطنون في المدن الأوروبية، وقد وجَّه إليهم الشعب الجزائري سؤالا محدَّدًا: ما دمتم تريدون طرد الأفارقة من الجزائر هل يحِقُّ للأوروبيين طرد اللاجئين الجزائريين من أوروبا؟ أم أن اللجوء حق للجزائري حصرًا؟ وهذا السؤال بقي دون إجابة من طرف نشطاء الحملة اللاأخلاقية.
عدم الالتفات للواقع الصادم، فالأمور السلبية الموجودة في اللاجئين موجودة تماما في قِطاع عريض من الجزائريين وقد تكون بدرجة أكبر، فالانحلال الأخلاقي وجرائم السرقة والقتل نطالعها يوميًّا على صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي، وكل الجزائريين عاشوا ولا يزالون يعيشون مرارة جرائم الاختطاف وقتل الأطفال التي لم تجد لها السلطات أي حلٍّ حاسم لحد الآن.
حملة طرد اللاجئين توجِّه نداءها للدولة رغم أن الدولة هي التي فتحت أبوابها للجوء، وأعداد اللاجئين وأسماؤهم وكل معلوماتهم وتفاصيلهم مسجَّلة بصفة رسمية لدى أجهزة الأمن وهذا أمر طبيعي ومفروغ منه، فلا يمكن أن تنتظروا من الدولة أن تخضع لمَطالبكم لأنها حين فتحت باب اللجوء قد حسبت كلَّ حساباتها دون أن ترجع للشعب أصلا، وكثير من المراقبين يرون أن اللجوء فيه مصلحة كبيرة للسلطات التي تخشى من تحرُّك شعبيٍّ ما، وهذا الملحظ له مساحة من الواقعية حيث وجدنا أصواتا شعبية كثيرة ترفض أي مطالَبة بالتغيير السياسي أو الاقتصادي لأن ذلك -في نظرهم- قد يؤدي إلى نتائج كارثية مماثلة للحالة الليبية والسورية واليمنية.
هذه بعض الملاحظات التي يجب الوقوف عندها فيما يخص حملة طرد اللاجئين الأفارقة من الجزائر، هذه الحملة التي شكَّك فيها الجزائريون وسخِروا من أصحابها الذين استعملوا كلمة «لاجئ إفريقي» وكأن الشعب الجزائريَّ ليس شعبًا إفريقيًّا!! وأخيرًا أودُّ القول: إن الحكمة تستدعي موقفًا رزينًا من هذه الظاهرة، وأنا شخصيًّا لا أزعم أن كل اللاجئين هم حمامات سلام، بل فيهم المجرمون وأصحاب السوابق العدلية وربما المتاجرون بالمخدرات والسلاح، ولكن هذه الأمور أيضًا يتلبَّسُ بها جزائريُّون كما في كل دولة وأي مجتمع، والتعامل التركيُّ مع ظاهرة اللجوء كان موفَّقًا إلى حدٍّ كبير فقد استفادت الحكومة من أصحاب الشهادات السوريين وقلَّدتهم مناصب رفيعة وفتحت لهم باب المنافسة الشريفة مع المواطنين الأتراك وقدَّمت المعونة للأسر التي عانت ويلات الحرب، وفي الوقت ذاته طبَّقت قوانين العدالة ضد كل من تثبت في حقِّه جريمة أو جنحة من السوريين وغيرهم من اللاجئين الذين يفوق عددهم -حسب آخر إحصاء رسمي منشور في المجلة الرسمية- الـ 2.600.000 لاجئ، وهذا الرقم الفلكي ضخم جدا مقارنة مع عدد اللاجئين في الجزائر الذين يغيبون غيابا تماما عن أكثر المدن والقرى ولا يعيشون إلا في مناطق محددة توفر لهم لقمة العيش في ظروف قاسية إلى حدٍّ ما .. اللاجئ -أولا وآخِرًا- هو إنسانٌ لم يكن له اختيار اللجوء لو أنه تمتَّع بحياة طبيعية في وطنه، لكنه تعرَّض للظلم فترك منزله وبحث عن الحياة بين الآخرين الذين لم يُدركوا ألم هجر الأوطان.
The post حملة طرد اللاجئين الأفارقة من الجزائر appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست