الجمعة، 30 يونيو 2017

ثقفني اون لاين : إذ يفيض القلم!

أنعم الله على عباده بأوقات مباركات يستجيب فيها دعاء من رفع أكف الضراعة إليه، وكذلك فإنه يكرمهم بأوقات للإنجاز مباركات، فأصحاب الأقلام تمر بهم أوقات تتفجر لهم فيها فيوضات علم وفهم، واكتشاف مجهولات، وتتدفق في عقولهم الخواطر، فإذا قدر الله لهم أن يمسكوا بالقلم في تلك الأوقات، فإنهم ينجزون فيها شيئًا طيبًا، قد يعجزون عن إنجازه في أيام أو أشهر بل ربما سنوات.

وعلى من يحترف الكتابة، أن ينتبه جيدًا لتلك الأوقات وأن يحسن اغتنامها:

إذا هَـبَّتْ رياحُك فاغتنمْها فإنّ لكل خافقـةٍ سكونُ

ولا تزهَدْ عن الإحسان فيها فما تدري السكونُ متى يكونُ

وإن دَرَّتْ نياقك فاحتلبها فما تدري الفصيل لمن يكون

لقد ألف الإمام ابن قيم الجوزية كتابه الجميل: زاد المعاد في هدي خير العباد، في وقت لا يخطر على البال أن ينتج الإنسان عملًا كهذا، فقد كان مسافرًا، والسفر قطعة من العذاب يتشتت فيه الذهن، ولا تتوافر فيه المراجع كي يرجع إليها، ولا علماء حوله كي يناقشهم ويحاورهم، ورغم ذلك كان (زاد المعاد).

ولما أراد الشيخ علي الطنطاوي تأليف كتابه (تعريف عام بدين الإسلام) كان قد كتب أوراقًا كثيرة وأخذها معه في زيارة لبيت ابنته في عمان، فضاعت منه تلك المسودات ولم يتمكن من العثور عليها رغم طول بحثه، فقرر أن يبدأ الكتابة من جديد، فاعتكف على كتابة الكتاب فأنجزه في عشرة أيام فقط، وهو جزء من ثلاثة أجزاء كان ينوي تأليفها، وكان يسأل ربه أن يبعث فيه الهمة كي يتمكن من إنجاز الجزأين الثاني والثالث، وقد كتب: (فإن ألهم الله واحدًا من القراء ودعا لي بظهر الغيب بأن يسهل الله عليّ كتابة الجزأين، كتبتهما بتوفيق الله وعونه كما كتبت الأول في عشرة أيام.. ولكن متى تجيء هذه الأيام العشرة؟ العلم عند الله).

وقد كتب الأديب الكبير عباس العقاد عددًا من كتبه في أحوال عجيبة، فكتاب عبقرية عمر كتبه في أحوال بأس وخطر، مسافرًا بين مصر والسودان، وألف كتابه عن ابن الرومي بين السجن ونذره ومقدماته، وفي ظروف صعبة كذلك ألف كتابه عن سعد زغلول، ويعلق على الكتابين قائلًا: (وكلاهما من آثر الكتب عندي، وأكبرها في الموضوع وفي عدد الصفحات) [عبقرية عمر: العقاد، ص 13، 14].

وقد أخبرني أحد الأدباء أنه أنجز كتابًا حول سيرة شهيد في أيام قليلة لا يزيد عددها على أصابع اليد، مع ملاحظة أن المادة الخام كانت موجودة بين يديه والرؤية في ذهنه واضحة، وسبب سرعة الكتابة أنه كان منهمكًا في كتابة بحث آخر، فكان القلم سيالًا، وكان حينها أسيرًا للقلم، أو كان القلم في لحظة ذروة كتابية، فكان كالعداء المسرع الذي يقترب من خط النهاية في سباق العدو.

وقد تواردت الخواطر على الدكتور مصطفى السباعي وهو على سرير المرض في المستشفى، فبدأ بتقييدها في كتاب (هكذا علمتني الحياة)، بل إن جزءًا من تلك الخواطر كان يمليها على أحد أصدقائه الذي كان يتردد عليه ليسجل تلك الخواطر، بعد أن منعه الأطباء من الكتابة.

من المهم لمن يمارس الكتابة أن يتعرف على تلك الساعات التي يفيض فيها القلم، ويغدق عليه فيه من الكلمات والأفكار، وهناك لحظات قد تشترك بين كثير من أرباب القلم وهي عندما يمر الإنسان بموقف يثير العاطفة، أو يحرك المشاعر، فعليه أن يغتنم تلك الفرصة.

من نافلة القول أن نذكر بأن هذه الحالة لا تأتي للفارغين، إنما تأتي للذين تتصارع الأفكار داخل عقولهم، ولا يتوقفون عن المطالعة والمدارسة والعمل والحوار، فتختمر المعلومات في رؤوسهم فتأتي لحظة يفيض فيها القلم، فيسيل، فينظم.

وحذار أن تظن أننا نتكلم عن أولئك الذين ينسخون ويلصقون، ليقال عنهم قد كتبوا، فيكتبون كلامًا لا قيمة له، بل المقال يتحدث عن أولئك الذين إذا كتبوا أبدعوا، وإذا ألفوا جاءوا بالجديد المفيد، لأن كتاباتهم غذيت بعدد كبير من الكتب التي قرؤوها، والتجارب التي عاشوها، والمشاهد التي شاهدوها، وفجأة تتحرر الكلمات من دواخلهم، لتصبح طليقة على الأوراق.

إن ربنا الكريم هو الذي يبعث فينا الهمم، ويحيي العزائم، كما يحيي العظام وهي رميم، وإنها لرسالة لكل واحد منا أن يغتنم أوقات الإنجاز المباركات، فإن للنفس بعدها سكون وفتور.

The post إذ يفيض القلم! appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست