الأربعاء، 31 مايو 2017

ثقفني اون لاين : انتحار الحضارة

 قدرة الإنسان على إيذاء أخيه الإنسان صارت مدهشة

قيل إن أول جريمة قتل كانت بين أخوين بسبب الغيرة أو الكراهية، لكن هل ما يدفع للقتل حقًا هو الكراهية؟ لماذا تقتل إذًا الدولة ذاتها؟! بل لماذا يقتل الإنسان نفسه؟ إني أرى الإنسانية تسير على حافة، وكأنها حد سيف، فكلما شعرت بخطر لا يهم إن كان حقيقيًا أو من صنع خيال أحدهم، زادت بالضغط على حد السيف، فإن سقطت تنجو بالسباحة في دمها! فترة حياة البشر على الأرض 200 ألف عام، أكاد أؤمن أنها أكثر الفترات تدميرًا للأرض وللبشر أنفسهم، و كأن الإنسان غباؤه في ذكائه؛ فكلما زادت قوة و سيطرة على الكوكب تسخيرًا لمصادره؛ زاد سفهًا وتدميرًا، وكلما اكتشف مصدر جديد للعلم هم بتحويله لسلاح ليس بهدف الدفاع عن النفس، مثل أي رجل بدائي خائف، لكن بهدف السيطرة على الكائن الآخر الذي هو بالطبع إنسان أيضًا، لكن مختلف قليلًا أو يسكن في دولة بعيدة بعض الشيء. إن الإنسان لا يتقدم إلا ليتأخر، و هذه ليست دعوة للتخلف؛ فهناك الكثير من الإنجازات العلمية والعملية في كافة المجالات وهناك علم وتقدم حقيقي، لكننا نبث السم في العسل، إن اكتشفنا أي مصدر جديد للطاقة امتدت يد أو عقل مريض حوله لسلاح يبيد الجماعات وحقًا لا أجد سببًا واضحًا يسمح لدولة أو أمة تهدف لتدمير الآخرين أو السيطرة عليهم و تقمص الدور الأبوي المرشد للجميع إلا عن نقص و جهالة

إني أرى تحت كل حضارة بركة دماء و صديد

قديمًا كان الإنسان البدائي الذي أتى عن طريق الكثير من محاولات فاشلة، لكنه أتى على كل حال لا يعلم من أمر ذاته أو أرضه الكثير كل ما يعلم أن عليه البقاء مهما تكلف الأمر، فهناك رواية أول جريمة في التاريخ، لكن لن نعتمد عليها كثيرًا هنا، صنع هذا الإنسان الأدوات لحماية نفسه من الوحوش، يأكل ما لا يتعب في صنعه، ولا يستحقه، فقد كان جدير بكلمة طفيلي يتغذى على النباتات والحيوانات، يقطف أحدهم طازج ويقتل الثاني، بدأ هذا الإنسان في التعرف على قدرات الطبيعة، فخالفها وبدأ في عبادتها، فتخيل منها إلهًا يجب التقرب منه؛ ليمنحه الغذاء والأمان، وبدأ تصور الإنسان عن الله في هذه الأثناء، فهو في حاجة لمن هو أقدر وأقوى منه على مواجهة ظروف الطبيعة، فلماذا لا يعبد مظاهر الطبيعة والوحوش ذاتها؟! وذلك العصر كان بطبيعة الحال عصرًا متوحشًا يجب أن يقتل فيه الإنسان؛ ليعيش. وعلى الجانب الآخر ظهر تذوق الإنسان للجمال والفن، وإن كان بدائيًا، فبدأ بالنقوش والنحت على جدران الكهوف.

ثم أتت الحضارة الفرعونية في مصر والبابلية في العراق، هنا ظهر أول نظام اجتماعي حقيقي بدأ الإنسان يعيش في جماعات يأكل مما يزرع بيده وما يستحقه بنا الكثير من المعابد والمباني صنع حضارة عظيمة بحق مازالت آثارها مستمرة إلى الآن، لكن الوجه القبيح للحضارة دائمًا قسوتها وقسوة الإنسان، في تلك الأثناء تطور الفكر الديني مع تقدم الفكر عامة، فكان الإنسان يرى الله خلف الظواهر الطبيعية للشمس إله والقمر والفرعون سيد البلاد يحكم من مبدأ الإله ومباركة الكهنة، فتكون كلمته مثل كلمة الإله ذاته الذي يقدسه الشعب، ولكل قرية أو مدينة إله، ولكل إله السيادة على الآخرين، فتحدث الحروب بين الأسر الفرعونية، وبين كل أسرة وأسرة، معركة يسقط فيها البعض، ويبنى على أثرهم مجد يجب أن يمحو الذي قبله، ومن أشهرهم رمسيس الثاني، الذي قيل إنه كان في عهد النبي موسى، وفي بلاد العراق كانت المعارك والغزوات على القرى المجاورة لتوسيع المملكة تعد نصرًا، لكنه نصرًا يمشي على الأجساد، ونحن لا نشعر بذلك السوء أو الألم أثناء زيارة المعابد والمتاحف فقط؛ لأننا لم نر غبار المعارك أو الدماء على يد البطل، فوراء كل بطل قتيل ينزف لا نراه ولا نريد ذلك.

ثم الحضارات الإغريقية و اليونانية و الرومانية هؤلاء تطور مفهوم الإله لديهم لشخوص مثل زيوس وأبوللو لكل شيء إله يتحكم به مثل البحر والقمر والجمال والفن وتخيل أن هذه الآلهة تقاتل، تحب وتكره وتتزاوج مثل الصورة الدنيوية منها، وهي الإنسان، فكان الإله على شاكلة الإنسان وشكله، لكن بقدرات أكبر، وإن كان الإله يقتل؛ فالإنسان سيفعل مثله بالتأكيد. كانت كثرة الحروب في تلك الفترة مع الدولة الأخرى، وهي الفرس، وامتدت تلك الحروب السنين والسنين، بالرغم من ازدهار الحضارتين، وأعتقد أنه لا بأس أن يكون هناك الكثير من الأقوياء في العالم أفضل من واحد فقط قوي، فإن سقط سقطت معه الحضارة كلها في الظلام والجهل، لكن هذا عكس ما يحدث دائمًا فنحن نؤمن إن كان هذا قويًا فذاك ضعيفًا، ولا أحد يحب أن تلصق هذه الصفة بنفسه، ما بالك أمته ودولته إن كنت عطشًا فلا سقط المطر.

ظلت هذه الحروب مستمرة والإنسانية تسير على نهج منظم بين القتل والفن إلى أن أتى عيسى أو المسيح و الديانة المسيحية. عانت ما عانته في البدء، ثم انتشرت في دول الغرب انتشارًا كبيرًا، وكالعادة اتخذ رجال الدين والكهنوت سلطتهم المعتادة في التسلط على العقول، واستبدت الكنيسة بروما بكافة المجالات، وخاصة العلوم، فهذه فترة العصور الوسطى الشهيرة فقتل من قتل من الفلاسفة والعلماء وهم كثر على كل حال، وتم قتلهم على مر العصور! وكانت الحضارة أيضًا والفن يصنع لكن من حديد مصهور.

ثم ظهر الإسلام في البلاد العربية، وذاق أتباعه الآلام أيضًا، وكانت بداية الدعوة أقل ما يمكن أن يحدث من أضرار، لكن سرعان ما انعكس الأمر انتشرت الكثير من الاختلافات فحدثت المعارك بينهم، وإن كان الطرفان يريدان الحق، وتلك هي أزمة الحضارة أن لها حق واحد يجب أن تسير به، لا يوجد حقان أو اختلاف في الطريق أو على الأقل هذا ما حدث، ثم هدأت الأمور لتكبر الدولة الإسلامية عن طريق الغزوات أو الفتوحات، والناتج واحد، معركة بين دولة أخرى، يسقط بعض الضحايا، تضاف دولة إلى الدولة الإسلامية، ثم تقام الحضارة، هكذا تمت الأمور، وإن اتفقنا أو اختلفنا مع هذه الطريقة، فهذا ما حدث ببساطة، فهناك حق واحد لبناء الحضارة، ظهر الكثير من العلماء والفلاسفة حتى إنه تم إنشاء علوم جديدة، لكن الدماء لن تمحى على أية حال مهما كانت عظمة الحضارة.

استمرت الدولة الإسلامية إلى أن سقطت الدولة العثمانية بمزيد من الدماء بالطبع، بعض الحروب العالمية الأولى والثانية، بالرغم من تقدم تلك الدول بدرجة كبيرة، إلا أن إصرار الإنسان على خوض المزيد من الحروب مبهر حقًا!

ثم هناك الوجه القبيح الجديد للعالم، مع بداية الثورة الصناعية، ثم ظهور رأس المال واستبداد الإقطاعيين في هذا الوقت كان بداية تغول بعض الدول أصحاب مال وسرقة الدول الفقيرة الآن، وأيضًا التوزيع غير عادل للثروات، أنت تملك المال إذًا أنت تمتلك العالم، أضف إلى ذلك الأسلحة والتعصب الأعمى، ستفهم ماذا يحدث في ساحات الشرق الأوسط الآن.

الدول القوية لن يقتل منها مواطن، لكن هناك أسلحة يجب تجربتها، لنصنع حربًا في المنطقة نجربها، ثم نصنع حضارة جديدة.

عزيزي إن أفضل ما يفعله الإنسان هو الموت، لكن القتل أمر مختلف، مختلف تمامًا

The post انتحار الحضارة appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست