أُكمل اليوم عامي الحادي والعشرين وما زالت كلمات الشهيد «شقير» حيةً عطرة تهمس في أُذني: عشرون عامًا يا فتى وأنت تسير إلى الله، أوشكت أن تصل وقلبُك بعدُ لم يصل.
عشرون عامًا والحياةُ قصيرة، شديدة القصر، كعابر سبيلٍ مر من هنا، كحُلمٍ تلوح خواتيمه في الأفق شيئًا فشيئًا، ورغم قصرها تغرُ وتضرُ وتمرُ، لا من شيء إلا لأنها ملعونةٌ وملعون ما فيها إلا ذكره – سبحانه – وما والاه، ألا كل ما خلا ذكره باطل!
عشرون عامًا وندمي كندم ابن مسعود على يومٍ غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي، ندمٌ على أمسٍ مضى بما فيه، وفزعٌ من أمل غدٍ علّني لا أدركه.
عشرون عامًا علمتني أن بداخل كل إنسان جانبًا آخر لم يلمسه أحدٌ بعد وربما لا يلمسه أحد، شيء قد لا تراه العيون من أول وهلة لكنه موجود، ذاك الجانب الطيب من كل إنسان، لا يخرج أبدًا إلا إذا أمعنت فيه النظر ومنحته جزءًا من نفسك بعطفٍ وإخلاص.
عشرون عامًا وما زلت مؤمنًا بما كتبته رضوى عاشور بأنّ هناك احتمالًا آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دُمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا، وما قاله محمود درويش أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
عشرون عامًا جعلتني أدرك بؤس هذا العالم، وبؤس من يحاولون وقف جريانه البائس للأمام، وبؤس من يأخذه على محمل الجد.
عشرون عامًا وما زلت أردد بأن المشقة في قلبي لا في الطريق، وما زال صديقي يداعبني قائلًا: المشقة في الطريق والطريق في قلبك.
عشرون عامًا ندمت فيها على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن، وأنني لم أُقبل عليه يومًا بتلك الروح: روح المعرفة المنشئة للعمل.
عشرون عامًا وما زالت أمي تسكبُ رحمةً وعطفًا، وما زلت في عينيها ذاك الصغير المدلل الذي لم يكبر بعد.
«أمي وإن ملأ المشيب عوارضي *** سأظل طفلًا عندها أتدللُ»
عشرون عامًا وما زال أبي يقف سندًا، بابًا من أبواب الجنة مفتوحًا لم يُغلق بعد.
عشرون عامًا والقلب هذا مُتعب، تسلب منه الأيام من أحب وما أحب، طمعًا في وعد لقاءٍ قريبٍ لا يأتي أبدًا.
عشرون عامًا ولم ألق نصفي الآخر بعد. أهفو إليه رُغمًا عني لكني أراه بعيدًا صعب المنال، لا الزمان يمهلني فيه، ولا المكان يرشدني إليه، أخاف أن أنتظره فيخذلني وأخاف ألا أنتظره فأخذله.
عشرون عامًا مضت ولم أعد مضطرًا لإثبات شيء على الإطلاق، لم أعد حبيسًا لفكرة من أنا؟ ماذا أريد أن أكون؟ وما الذي يتوقعه الناس مني؟ أرى محاسن نفسي ولا أحاول أن أطفئ ذلك النور بداخلي، لم أسع لأي ضوء وأرجو أن أغدو بذاتي ضوءًا.
عشرون عامًا مضت وربي أعلم بما بقي، أُكمل وإن كُنت وحدي، ولو لم يبق على الطريق سواي، فلن يُحاسب معي أحد ولن يحمل عني وزري أحد، فاليوم عملٌ بلا حساب وغدًا حسابٌ بلا عمل.
The post عشرون عامًا وأنت تسير إلى الله appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست