لا أحد يستطيع أن ينكر ما بداخله من آلام وطموحات وأمل وألم، فمهما حاول الإنسان – بغض النظر عن دينه ومعتقده – أن يخفي هذه المشاعر، فبلا أدنى شك ستظهر يومًا ما للوجود، فظاهرة الإنسان ظاهرة فريدة من نوعها لا تشبه ظواهر الكون التي تعتمد على السببية، لأن الإنسان ببساطة ميزه الله بأن له عقلاً يتدبر ويفكر، كما أنه متفرد بالمشاعر والأحاسيس ولديه جانب روحي يحتاج لإشباع واهتمام من خلال التأمل في هذا الكون وهذه الأرض والارتباط بهذا العالم وهذه البيئة المحيطة والتعبير عن هذا كله وعما يختمر بدواخله من أفكار وصراعات نفسية.
لكن هذا الإنسان في عالم اليوم، نتيجة لطغيان المادية المفرطة، نسي أنه إنسان يحس ويشعر بالقلق والتوتر ولديه حب الاستطلاع، فرمى بنفسه في حضارة زائفة هي في الأصل حضارة حيوانية شهوانية خلقت الأشياء لتُشبع رغبات الإنسان وحاجاته التي لا تنتهي. وفي خضم هذه الأحداث المتسارعة وفي غلبة التقنية والآلات والمشاغل والحياة المادية الطاغية، نسي الإنسان نفسه وجوهره وجانبه الروحي، فأصبح ترسًا في عجلة الزمن يدور حيثما تدور الآلة، وحيثما تدور مصلحته المادية النفعية. نسي أن له روحًا وقلبًا يحتاج إلى إشباع، يحتاج إلى أن ينمو ليكتمل بناؤه الإنساني، وإلا ما الفرق بين الإنسان الإنسان والإنسان الحيوان. ونتيجة لذلك غلبت على الإنسان المادية؛ فأحاطته بسياج قوي وسميك من الأمراض النفسية والعقلية (وقائع الانتحار والاكتئاب التي تغزو العالم شاهدة على ذلك؛ فقد سجلت السويد عام 1967 فقط 1702 حادثة انتحار)، والشعور بالنقص والخواء الروحي والعاطفي، لأنه – بطبيعة الحال – لم يستطع في هذا الجو المادي أن يجد إجابات لما يدور في ذهنه من أسئلة حول الهدف من وجوده ومصيره ومن أين جاء؟ ولماذا وجد في هذا الكون؟
إن أغلب المشاكل والأمراض التي يعاني منها العالم في هذه الأيام هي في الأصل نتيجة حتمية لانفصال الإنسان عن جانبه الروحي وتوقفه عن معالجه هذا الجانب في نفسه، ولعل ظهور المذاهب الفلسفية من رأسمالية واشتراكية دليل واضح على أن الإنسان لديه جانب آخر غير الجانب الشهواني والغرائزي، المرتبط على طول الخط بالمادية المتعلقة بالحاجيات الظاهرة للإنسان والتي تجعل الإنسان عاريًا أمام نفسه وأمام العالم، بل أمام البيئة المحيطة به. ولِمَا لا، وقد دفعت هذه المادية الإنسان إلى إفساد علاقته بالطبيعة؛ فهو ليس ابنًا لها كما قالوا قديمًا، وإلا لماذا اعتدى على الطبيعة وغيّرَ وبدَّلَ وهدّمَ وجرّفَ ودمّرَ وخرب وحارب وقتلَ، بل لم يسلم منه أخوه الإنسان نفسه، فهو لم يفعل ذلك إلا لغلبة الحيوانية والشهوانية عليه، وبذلك أصبح شهوانيًا عاريًا من الأخلاق وقيم الجمال والحق والتضحية التي تُميز الإنسان البشري عن الإنسان الحيواني، وهذا هو الجانب الآخر، الجانب الروحي الأخلاقي الذي يدخل ويعالج خوالج النفس البشرية من خلال علاقة تفكرية تأملية للكون والطبيعة ليصل الإنسان بذلك إلى أن لهذا الكون ربًا خالقًا ومنظمًا ومدبرًا لشئون العباد والبلاد، ومن ثم يشبع نهمه الروحي ويصبح لديه طابع إنساني أخلاقي يُغلّف كل ما يقوم به من أعمال في حياته فتصبح أعماله أعمالاً إنسانية وبذلك يكون الإنسان إنسانًا.
وبالرغم من أن عالمنا المعاصر ينادي بقيم الحق والمساواة والفضيلة وحفظ حقوق الآخرين، إلا أن كل هذه الشعارات زائفة، لأن العالم اليوم تغلب عليه الحيوانية الشهوانية، فأصبح عالمًا عاريًا من الأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة. والأدلة على ذلك كثيرة وواضحة، فما يحدث في البلاد من قتل للأطفال والشيوخ والنساء وترويع للآمنين وتعدٍ على حقوق الآخرين في الحياة، والاستيلاء على ثروات البلاد والعباد، لهو دليل دامغ على تعري الإنسان أمام أخيه الإنسان. فأن نكون عرايا أمام العالم فهذه مصيبة، أمّا أن نكون عرايا أمام أنفسنا فهذه مصيبة وأي مصيبة!
The post أن تكون عاريًا.. فهذه مصيبة! appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست