«الفقراء لا يدخلون الجنة» ربما كان العنوان صادمًا، أو يتعارض مع الموروث الديني كما نعرفه، لكن القصد هنا جنة إعادة توزيع الدخل القومي وثمار التنمية المشاركة.
للفقراء دنياهم و«دنيتهم» الخاصة بهم، ولهم أنشطتهم الاقتصادية التي تتخذ شكلًا سريًّا، أو مجهولًا للدولة وسجلاتها الرسمية .
الغريب وكما سبق تأكيد ذلك، فجميع ثورات مصر منذ العصر الحديث لم تكن ثورات فقراء ومهمشين، بداية من ثورة عرابي، ثم ثورة 1919، ثم ثورة 1952، ونهاية بثورتي يناير 2011، ويونيو 2013.
جميعها ثورات قامت لغايات وأهداف محددة، بعيدة تمامًا عن الفقر والفقراء، وإن اتخذت شعار العدالة الاجتماعية بضاعة تروّج لها .
الفقراء وعلى مر التاريخ، عندما كانوا يشاركون في ثورة لم يكن غايتهم الوصول للحكم، أو إعادة ترتيب النظام والدولة، لكن الغاية كانت الهدم والتدمير. كانت ثوراتهم على ندرتها أشبه بقبس من نار، نار غضب تشتغل وتحرق كل ما حوله، ويقضي على الأخضر واليابس .
والأشد غرابة أن الفكر السياسي الراديكالي قبل ثورة يناير 2011، كان يبشّر بثورة للفقراء على الأوضاع الحالية. كانت ثمة نُذر وإشارات تحت السطح تندفع كل فترة بركان يغلي على وشك الانفجار، لكن من قام بالثورتين فيما بعد، فئات وشرائح مجتمعية أخرى (أبعد ما تكون عن الفقر بتعريفه سواء المطلق أو النسبي)، وسواء أكانت مدعومة من قوى خارجية، أو توجهات ما، لكن يتبقى أنها كانت ثورات النخبة .
للفقراء أنشطتهم واقتصادهم السري، وهو ما حمى البلد من الانهيار سياسيًّا واقتصاديًّا، ووقى المجتمع شر التمزق حتى اللحظة .
ويعرّف الفقر في تقرير التنمية الصادر عن البنك الدولي للإنشاء والتعمير في 1990، بأنه: «عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة». كما يُعرّف الفقر الآن بأنه «عدم القدرة على الحصول على الخدمات الأساسية».
وكما أن للفقر مفهومًا نسبيًّا، فإن له أيضًا مفهومًا مطلقًا، ولكل مفهوم معنى مستقل. إذ الفقر المطلق هو «حالة من الحياة محددة بالجهل، وسوء التغذية، والمرض، وارتفاع مستوى وفيات الأطفال، وانخفاض فترة الحياة إلى حد أقل».
ثمة ملحوظة، تقترب من الفرضية التي لم يثبت صحتها علميًّا بعد، لكنها قائمة بالفعل، وهي أن ثمة علاقة قوية وطردية بين مستويات الخصوبة المرتفعة، والإنجاب الكثير، وبين مستوى الفقر، برغم تدني مستوى الخدمات الصحية وسوء التغذية أحيانًا (معدلات الخصوبة، والإنجاب في البلدان الأشد فقرًا أعلى بمراحل كثيرة بالمقارنة بالدول الغنية، أو المتقدمة).
ربما غريزة البقاء تدفع الفقراء دفعًا للتشبث بالحياة من خلال الإنجاب، فتفشل كافة برامج تحديد وتنظيم النسل في هذه البلدان، ويزداد النمو السكاني بدرجة مفزعة، كما لو كان الفقراء يعاقبون المجتمع بفقرهم، فيغرقون الجميع معهم .
ليصبح الفقر سلاحًا، وأداة وحيدة في يد الفقراء فقط، فيطّوعون الفقر لخدمة بقائهم، وهدم كافة مكتسبات التنمية للغير، يشكلون تهديدًا واقعيًّا قويًّا لاستقرار المجتمع، ودفعه لحافة الانهيار .
وهم أيضًا «أي الفقراء»، القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في المجتمع، وبوجوه الجميع في أي لحظة فتأتي على بنيان الدولة من القواعد. وبدلًا من أن تقلصّ الدولة من أعداد الفقراء، نجد بعض سياساتها (الإصلاح الاقتصادي من وجهة نظرها) تسير في اتجاه مغاير، إذ تعمل بدأب على زيادة أعداد الفقراء، فمع ثبات الدخول (وبخاصة للموظفين وغيرهم من أصحاب الدخول الثابتة)، ومع الارتفاع الجنوني في الأسعار، تهوي شرائح بأكملها من المستويات المنخفضة بالطبقة الوسطى لطبقة الفقراء والمعوزين.
المؤكد أن هناك درجات متفاوتة من الظلال تلف المجتمع، تبدأ بظلمة حالكة، وتتدرج وصولًا لنقطة ضوء تركز على فئة من البشر دون غيرهم، الباقون يقبعون في الظل، ويمارس كل دوره في خدمة السادة القابعين في دائرة الضوء، يمارسون أدوارًا كُتبت عليهم سواء برضاهم، أو رغمًا عنهم.
وفي النهاية تصبح مفاهيم العدل والعدالة والمساواة مجرد أحلام، أو أوهام يسعى خلفها الفقراء حتى حين.
The post الفقراء لا يدخلون الجنة appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست
