الثلاثاء، 31 يناير 2017

ثقفني اون لاين : كيف لا زلنا نراها ثورة؟!‏خواطر سياسية في ذكرى 25 يناير 2011

يتنازع الناس حول توصيف ما حدث في ذلك اليوم. هل كان ثورة حقيقية ضد نظام مبارك أم ‏مؤامرة ‏حقيقية على مصر، ورغم نص الدستور المصري الجديد على أن ما حدث في 25 يناير ‏‏2011 كان ثورة، إلا ‏أن نسبة لا يُستهان بها من الشعب المصري أصبحت تؤمن إلى حد ‏اليقين أنها لم تكن أكثر من مؤامرة ‏ضمن مسلسل التآمر على البلاد العربية.‏

ومما يعزز ذلك الفهم لدى كثيرين أنه لمّا لاح أن الجيش المصري في طريقه لأن يعزل ‏الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين من الحكم ‏في مصر، ظهرت لنا في مارس 2013 ‏العصابات الدينية المسلحة في العراق والشام، المعروفة ‏باسم داعش، وملأ الإرهابيون سيناء ‏للمساهمة في إحداث عمليات تخريب لا زالت مستمرة إلى اليوم.‏

لكن كيف لا زال كثيرون – وأنا منهم – يرون ما حدث يوم 25 يناير ثورة وليس مؤامرة بعد كل ‏ما تلاها من حوادث؟

طبيعة المصري

لعموم المصريين طبيعة سهلة بسيطة راضية، لا تسعى للصدام وخلق النزاعات. طالما لعبت ‏هذه الطبيعة دورها في خضوع المصريين لحكامهم وقلة ثوراتهم. كانت 25 يناير المرة الوحيدة ‏التي آمن فيها الشعب المصري بقدرته على التغيير، فثار دون احتياج لقائد يتقدم الصفوف، ‏ولكنهم اغتالوا هذا الإيمان وأقنعوا الشعب الذي ثار أنه كان مدفوعًا نحو الثورة بفعل قوى ‏خارجية.‏

هذه الرؤية سوّق لها في الداخل كل من أراد إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة، بما ‏فيها من فساد وظلم اجتماعي، كما روّج لها كل من كره روح الثورة وما يمكن أن تصنع في ‏المصريين.‏

بدأ تشويه الثورة بنسبة قيادتها إلى أفراد اُتهموا بالعمالة، رغم أن من نزلوا إلى الميدان لم يعرفوا ‏أي منهم!، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل وتم تشويه ميدان التحرير كرمز. لم يعد رمز الحرية ‏الذي يسعى زعماء العالم لزيارته عندما يزورون القاهرة، بل أصبح رمزًا للتحرش وانعدام الحياء ‏وغيرها من الصفات التي لم تكن فيه وقت الثورة، ولكنها لازمته فيما جرت بعدها من حوادث.‏

كان واضحًا لكل ذي لُب أن المطلوب أن يقتنع كل من شارك في الثورة وأيّدها من عامة ‏المصريين أنهم سيقوا إليها وغُرِّر بهم، ولم يثوروا على الظلم الاجتماعي الذي كان قد طفح منه ‏الكيل. ‏

المطلوب ببساطة ألّا تتكرر الثورة.‏

حكم الإخوان

ثم وصل الإخوان إلى السلطة بطريقة مطعون فيها، وحسابات سياسية منعت وصول المرشح ‏الرئاسي الفائز إلى الحكم. خبر نجاح أحمد شفيق سرّبه كل المقربين من لجنة الانتخابات ‏وأعضاء المجلس العسكري. كان مرسي شخصًا طيبًا تم الزجّ به في هذا المنصب لصدق ‏انتمائه للجماعة، وشخصيته التي لا تحمل أي بذور للتمرد، وكان وصوله للحكم جزءً أساسيًا ‏من سيناريو ضمان عدم تكرار الثورة على حكم أي عسكري يحكم مصر مرة أخرى.‏

كان عام حكم الإخوان حربًا باردة بينهم وبين قيادات الجيش؛ حاول فيه الجيش إفشال حكمهم، ‏بينما حاول الإخوان السيطرة على مفاصل الدولة من خلال الرئيس المنتمي إليهم. حاولوا ‏الاستئثار بالمناصب، وبفرص التعيينات المتاحة للخريجين، بل حتى الجامعات التي من ‏المُفترض أن تنتفي الوساطات في التعيين بها عيّنوا أعضاء جماعتهم تخطيًا لمن هم أحق ‏منهم. شاهدت وسمعت هذا كشاهد عيان في إحدى جامعات الصعيد على سبيل المثال. ‏

لكن بقيت القوة الحقيقية في يد الجيش.‏

الإخوان وأوهام الخلافة

لعل من أكثر ما أخاف المصريين من الإخوان هو تقاربهم مع الأتراك، ورغبتهم في إعادة ما ‏يسمونه الخلافة التي يعتبرون استعادة حضارة الإسلام وأمجاده الزاهية رهينة بها؛ فهم يرفضون ‏تمامًا فكرة الدول القُطرية المنفصلة، والتي على رأس كل منها إمام. الأخوة الزيدية في المقابل، ‏ومنذ أكثر من ألف عام، رضوا وأقرّوا قيام دول قطرية منفصلة، وأن يكون لكل منها إمام ‏عادل، فركزوا على عدالة الإمام، وليس على اتساع الملك كأساس لنجاح الحكم وإقامة مقاصد ‏الله في الأرض، وعجز باقي المسلمين حتى الآن أن يعووا ما وعته الزيدية!‏

وعادة يستخدم دُعاة الخلافة مغالطة عدم ترابط عجيبة، فالدولة العثمانية التي يتحسرون عليها ‏لم تقدم للمسلمين الأمجاد، وكان تاريخ دولتهم كله حروب. لم يصنعوا لنا حضارة، بل سلبونا ‏الحضارة. أما ما نراه من تقدم لتركيا الحديثة، فكلنا نقر بنجاح أردوغان على المستوى ‏الاقتصادي في تركيا – والذي تحكمه قوانين الاقتصاد الرأسمالي – رغم وجود فساد في بعض ‏القطاعات لا تعنينا كما لا يعنينا نجاحه الاقتصادي؛ كوننا لسنا مواطنين أتراك. بينما يعنيني ‏كمواطنة مصرية استقلالية بلدي، وعدم السماح بإعادة بلدي للوراء، وهو الشيء الوحيد الذي ‏جنيناه من الاحتلال التركي العثماني المسمى بالخلافة العثمانية. لكن لا يمكن أن نلغي ما ‏يجمعنا بالأتراك من تاريخ وجغرافيا، وثقافة مشتركة، كما ينادي المتعصبون من الجانب ‏الآخر.‏

ولعل دعاوى الخلافة تلك التي لم ينكرها الإخوان، ولم يحترزوا من الإشارة إلى رغبتهم فيها، قد ‏ساهمت في إذكاء روح الثورة التي لم تكن قد وُئدت بعد، وعندما ظننا كمصريين أن بلدنا ‏سيُختطف، وسيضيع، ووجدنا تشجيعًا من الجيش للقيام بثورة ضد حكم الإخوان، شارك ملايين ‏في الإطاحة بهم، متصورين أننا سنعيد الدفة إلى الوجهة التي أملناها بعد 25 يناير.‏

‏30 يونيو

أول ما يبرز عند ذكر 30 يونيو نقاش محتوم حول توصيف ما حدث بالثورة أم الانقلاب، ‏ونقاش آخر عن فض اعتصام رابعة العدوية، وهل كان اعتصامًا سلميًا تم فضه بالقوة، كما يراه ‏الإخوان، أم اعتصامًا مدججًا بالسلاح تم فضه سلميًا، ومن سقطوا من ضحايا كانوا بسبب ‏إصرار الإخوان على استخدام الأسلحة، حسب الرواية الرسمية.‏

لكن كلا النقاشين لا أهمية لهما قياسًا بالنتائج التي ترتبت على ذلك الحدث، والتي يمكن ‏تلخيصها بأننا قد قتلنا توازن القوى الذي كان يحكم العلاقة بين الإخوان والجيش في مصر، ‏وخلقنا بأيدينا قوة واحدة متوحشة متفردة تحكم مقدرات مصر. على الأقل، عندما أُشيع أن هناك ‏اتفاقيات تُدبر لتفقدنا أجزاء من أراضينا في عهد الأخوان كانت هناك قوة مضادة للجيش منعت ‏من تنفيذ تلك الاتفاقيات، بينما الآن، وفي ظل القوة الوحيدة على الأرض فأراضينا في خطر، ‏ورئيسنا يتعامل معنا كالأطفال الذين يجب أن يكفّوا عن النقاش، لأنه وحده من يقرر!

وبعد ست سنوات من ثورتنا وثورات ما يُسمى الربيع العربي، أشعر أن قناعاتي وقناعات ‏كثيرين قد اختلفت كثيرًا في ضوء ما أسفرت عنه الحوادث. تحول كثيرون إلى الاقتناع بأن ‏ليس حكم السلفيين والإخوان هو الإشكال الوحيد والعائق للتقدم الحضاري في ضوء أفكارهم عن ‏الخلافة وتكوين الدولة، وأفكارهم التكفيرية لباقي الفرق والمذاهب الإسلامية؛ فبمقارنة عهد ‏مرسي بعهد السيسي، وصل كثيرون إلى الاقتناع بأن الحكم العسكري قد يكون الأسوأ. أما أن ‏تتحكم ميليشيات عسكرية دينية، كما هو الحال في سوريا وليبيا، والذي تستخدمه قيادتنا ‏السياسية كفزّاعة لنا، فذلك هو الجحيم الذي لا يضاهيه جحيم على الأرض. عافانا الله منه.‏

ورغم كل ذلك، وقبله، وبعده، ستبقى 25 يناير 2011 ثورة مجيدة في تاريخ مصر من الصعب ‏أن تتكرر.‏

The post كيف لا زلنا نراها ثورة؟!‏خواطر سياسية في ذكرى 25 يناير 2011 appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست