الأحد، 31 يوليو 2016

ثقفني اون لاين : دور المؤسسة القضائية الموازية في دعم الانقلابات العسكرية

كان الانقلاب الأخير الفاشل الذي حصل في تركيا له أصداء واسعة في عدة مؤسسات سيادية من بينها المؤسسة القضائية، التي كانت لها دور فعال وهام في دعم الانقلابيين والانقضاض على شرعية الحكومة المنتخبة، وبالتالي دخول البلاد في دوامة حكم العسكر مثلما الذي حصل في مصر والجزائر وغيرها من الدول.

هذا الانقلاب لم يكن لينطلق في مخططه لولا دعم المؤسسة القضائية الموازية وإعطائها الضوء الأخضر لتغيير النظام المدني الديمقراطي.

وكما هو معلوم فإن الدولة تستمد كينونتها من وجود القانون، الذي ينظم سلوك الأفراد وعلاقتهم بها، والسلطة القضائية لها دور بارز في تفسير الرسمي للقوانين التي يسسنها البرلمان وتنفدها الحكومة، وهي المسؤولة عن القضاء والمحاكم في الدولة وتحقيق العدالة. ذلك أن السلطة القضائية تعمل بصورة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وذلك لأن الأنظمة القضائية هي التي تضمن تحقيق العدالة في المجتمع، وبالتالي تأثيرها المباشر وغير المباشر على مجريات عمل مؤسسات الدولة المختلفة، فنظام القضاء بالذات هو أبرز ما يعبر عن طبيعة النظام الحاكم ومدى صلاحه وفساده، وذلك بغض النظر عن الشعارات المرفوعة، فالهدف من أي نظام سياسي هو تحقيق الأمن والعدل، وهما مفصلان رئيسان لنشوء واستمرار أي دولة.

أما إذا أصيب الجسم القضائي بفيروس الفساد، الذي يقوض من استقلال القضاء بشقيه الجالس والواقف، ودخول عناصر قضائية موازية, لها ارتباطات خارجية وفئوية ضيقة لكيان الدولة (دولة القضاة بالمعنى السياسي وليس القانوني).كما يحصل في مصر الآن فإن مؤسسات الدولة تكون في وضع مترهل ومريض مما يؤدي إلى قلب موازين العدالة رأسا على عقب ويمتد تأثيرها إلى المجتمع.

ذلك أن القضاء في أي مجتمع في هذا العالم هو صوت الحق، وهو مرآة الحاكم ونظامه وهو أساس أي تنمية أو نهوض واستقرار، ومتى صلح القضاء صلحت جميع القطاعات، وكلما عدل القضاء عدلت جميع القطاعات الحكومية.

والمجتمعات الغربية أدركت مبكرا أهمية القضاء في تطور وازدهار تلك المجتمعات، في هذا الصدد نتذكر قول رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشيرشل بجملته المشهورة (خير لنا أن تخسر بريطانيا الحرب ولا أوقف تنفيذ حكم قضائي). وهذا تأكيد منه بأن القضاء العادل هو أساس الملك واستقرار الدول والمجتمعات، ولا ننسى أيضا الشواهد القرآنية والنبوية الشريفة، التي تحث على أهمية القضاء ودوره في تثبيت الدولة العادلة.

وإصلاح المنظومة القضائية لن يتأتى إلا بتطهيرها من الفساد والمفسدين، وعدم التساهل معهم، والمواطن هو الضامن بأن صلاح مؤسساته القضائية المختلفة مع وجود إرادة للنظام السياسي، الذي يمكن أن يتجنب أي انقلاب شعبي أو من جانب مؤسساته العسكرية، خاصة إذا كانت الدولة تكرس نوعا من الغموض السياسي الفضفاض، الذي لا يطمح للخير العام وإرادة الجماعة من أبناء الشعب.

كما أن حاجز الثقافة السياسية والدستورية الناضجة هو أهم الحواجز المانعة من الانقلابات العسكرية. لأن ثقافة المجتمعات التي تحترم قيمها ومبادئها الديمقراطية والقانونية والأخلاقية، تكون أقوى من سلطة الجيوش التي بدورها تعجز عن الإطاحة بالسلطة المدنية.

إن خلق كيان قضائي موازٍ، وتقسيمه إلى دولة القضاة بجانب قضاة الدولة، لن يؤدي بنا إلا إلى تشتيت الجسم القضائي وتوجيهه إلى منحنيات سلطوية, تكون  أداة بيد سلطة غير مدنية بمفهومها الواسع، وبالتالي دخول البلاد في كابوس لا يمكن الفكاك منه على المدى الطويل، بفعل ضرب كل المقومات والقيم الأهلية للنسيج المجتمعي وخلق دولة مشوهة.

ولعل ما تعرض له مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون، خلال عمله في القضاء بالعصر المملوكي العسكري نتيجة مخالفته للأعراف السائدة حينها، بغية الإصلاح وتطبيق العدالة وتعرضه من مضايقات من جانب الكيان الموازي للقضاة، وتحالفه مع نظام العسكر آنذاك، يبين لنا للأسف أننا أمة لا تستفيد من ماضيها الذي ما زال حاضرا بقوة إلى اليوم.

 

The post دور المؤسسة القضائية الموازية في دعم الانقلابات العسكرية appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست