السبت، 30 يوليو 2016

ثقفني اون لاين : عن الصيدلة وشرف المهنة

هل بقي لمهنة الصيدلاني شرف؛ يمكن للصيادلة أن يدافعوا عنه؟ ليس هذا المقال جلد للذات، أنا أحد هؤلاء الذين لم يرم بهم مكتب التنسيق إلي كلية الصيدلة، بل اخترت منذ الثانوية العامة أن أكون صيدليا.

الصيدلي أحد الحلقات الأساسية في منظومة الخدمة الصحية، لكن، والحق يقال، لم تترك الرأسمالية المصرية أية خدمة صحية من أي نوع.

لا داعي لسرد مساوئ خطايا المنظومة التي لم تعد تقبل بأقل من النسف، وإعادة التأسيس من جديد. دعونا نتحدث عن الصيادلة في الأساس! الصيدلاني: هو المختص بالدواء، تركيبه، حركيته وديناميكيته، أشكاله. باختصار: الصيدلاني يدرس الدواء في علاقته بالمرض والجسد.

تعريف نظري بحت! لكن عمليًا، تحول الصيدلي، وأخضع لشروط النظام، للسوق. أصبح الدواء يخضع لكل ما تخضع له سلعة استهلاكية عادية، شركات الدواء في مصر لا توظف صيادلة للبحث العلمي؛ فمصر لا تخترع أدوية ، مصر تستورد كل ما تنتجه منظومة الدواء العالمية، الداء والدواء، فلم يعد خفيًا على أحد أن احتكارات الدواء الغربية تخلق الأمراض معمليًا؛ كي تخلق طلبًا عالميًا على الدواء.

وتقوم الشركات في مصر بتعبئة المادة الخام، المستوردة، مع بعض الإضافات الملائمة للشكل الصيدلي المطلوب، هذا هو الإنتاج الدوائي في مصر: إنه نمط يضع مصر تحت رحمة ضواري الدواء العالميين، ويضع المواطن المصري تحت رحمة حيتان سوق الدواء المصري.

إن شركات الدواء في مصر لا يوجد لديها أقسام للبحث العلمي، و تتضاءل مهام الصيدلاني المتصلة مباشرة بكيمياء الدواء، بينما يتعاظم دوره كمسوق وبائع، كـ(تاجر دواء).

قطعان من مندوبي الدعاية، يجوبون شوارع البلد، يمثلون شتى الشركات، يعرضون ما لديهم من (بضاعة)، وما لديهم من عروض للأطباء، والتي في مقابلها سوف يوصي الطبيب بالدواء الفلاني في روشتته. والصيدلاني في صيدليته يلهث وراء الخصومات، يسيل لعابه على (البوانص)، لا يجد غضاضة في أنه وكيل لشركات الدواء في نهب المواطنين.

هل بقي لمهنة الصيدلاني شرف؟ لا، قولًا واحدًا، لا؛ انظروا إلى الأرياف ، من المعتاد، ألا يتواجد صيدلاني في الصيدلية؛ جحافل من الدخلاء على المهنة، لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بالدواء، لكن منذ أن تحول الدواء إلى سلعة استهلاكية، كالشيبسي، والكوكاكولا، أصبحت الصيدليات بؤرًا للارتزاق. مثلها كمثل سلاسل البقالة، الفارق هو نوعية السلع المعروضة.

إنني أتحدث هنا عن مهنة، عن قطاع، يمس بشكل مباشر سلاسل التبعية التي كبلنا بها الاستعمار. ففي حال توافر إرادة وطنية للتحرر سوف يشهد قطاع الدواء معركة دموية لا رحمة فيها؛ إذا ما قررت مصر الانعتاق، سوف تدفع ثمن ارتباطها الطويل، خضوعها الذليل لمراكز الرأسمال العالمي؛ سوف يمنعون عنا المواد الخام، خاصة تلك المتعلقة بأدوية أمراض، كالسكر، وأمراض الأوعية الدموية، والقلب. سوف يقتلوننا مرضًا. إن استعادة الصيدلة لشرفها، هو جزء أساسي في طموحاتنا التحررية.

كل عمالقة صناعة الدواء في مصر، ما هم إلا وكلاء لضواري صناعة الدواء العالمية، بالطبع، هذا هو الحال في كل القطاعات، لكننا نتكلم فيما يخص قطاعًا حيويًا يمس بشكل مباشر ويومي، حياة عشرات الملايين من المصريين.

هل هي حلقة مفرغة لا فكاك منها؟ لا، إن استيلاء «الكمبرادور» على الدولة، تفكيك إرادتها عن طريق تفكيك قواعدها الإنتاجية، كان العامل الحاسم، وأصبحت شركات الدواء الخاصة هي حلقة الارتباط، أنبوب النهب الذي لا يتوقف، الذي يصب في بحر الرأسمال العالمي، كل زيادة في سعر الدواء يتحملها المريض، يستفيد منها ـ بشكل مباشر ـ عمالقة الدواء في مصر، لكنها في التحليل الأخير تراكما في صالح العمالقة العالميين. الرأسمالية المصرية في خلال عشرات الأعوام من النهب، لم تحدث تراكما ينقلها نقلة نوعية، فالتراكم لا يتم هنا، بل في المركز، وعليه فإن القول الفصل هو تأميم قطاع الدواء، وهو ما لن تقوم به دولة تعمل في صالح أصحاب الأموال، بل دولة تنحاز للفقراء.

بتأميم شركات الدواء ودمجها، سوف تحقق الدولة سيطرة على انفلات أسعار الدواء، سيطرة على الموارد التي يهدرها التنافس بين الشركات في إنتاج نفس المادة الخام. استيلاء الدولة على قطاع الدواء ستواجهه مقاومة الشركات العالمية، لكن تجربة كتجربة جنوب إفريقيا في مواجهة اتفاقية «التريبس» الخاصة باحتكار براءات الاختراع، حين حاولت إنتاج أدوية لعلاج «الإيدز» إثر تفشيه، تلك التجربة تعطينا مثالًا لآلية مواجهة الحرب الضروس. هناك في العالم يوجد من هم مستعدون لإعطائنا خبرات إنتاج المادة الخام، دول كالهند والبرازيل، الصين وروسيا، تلك دول يهمها مصارعة الغرب لمصالح نموها، بالطبع هذا حل مؤقت لمواجهة الاختناق الذي قد يصيب قطاعنا الدوائي، لكن الحل الجذري هو أن تتحول مصر إلى دولة مارقة، تنتج المواد الخام، رغمًا عن محتكريها. هذا الإنتاج لا يمكن أن يقوم به سوى الصيادلة، إن ظروفًا كهذه تستلزم تطوير إمكانات البحث العلمي في مصر، البحث العلمي الدوائي في الجامعات، وهو ما يستلزم بالتالي تغيير طرق الدراسة في كليات الصيدلة في مصر.

لقد أصبح الصيادلة في غالبيتهم، يتخرجون من الكلية والأولوية بالنسبة لهم الالتحاق بجيش مناديب الدعاية. قليلون من يفكرون في الارتباط بالإنتاج الدوائي، لا بالتسويق.

وتبدلت الصورة الاجتماعية للصيدلاني، من عضو ذي شأن في المجتمع إلى عضو يتاجر بصحة الناس، وليس متوقعًا أن يستقبل الصيادلة الإجراءات السابقة بالترحاب، خاصة في حالة قيام الدولة يتأميم الصيدليات الخاصة، ولكن علي كل صيدلي أن يدرك أن تغيير المسمي الوظيفي إلى (طبيب صيدلي) لن يعيد للمهنة شرفها. لأن شرف المهنة مرغته شركات الأدوية الخاصة في وحل الأرباح ولعبة الدعاية. كيف تسوق دواء أنت تعلم أنه ليس فعالًا بما يكفي. أو لا تعلم إذا كان آمنا أو لا؟

إن استعادة شرف المهنة يكمن بالأساس في أن تكون معركتنا هي تقديم دواء آمن للمصريين، دواء فعال ورخيص، عتق الناس من تلك الزيادات البشعة في الأسعار، تلك الزيادات التي لا دافع وراءها، ولا مبرر سوي جشع أصحاب الشركات، فك ارتباط سوق الدواء المصري بالاحتكارات العالمية، القتال من أجل إنتاج موادنا الخام.

هكذا يمكننا أن نستعيد شرف الصيدلة، أن نكون الحماة الحقيقيين لصحة المواطن. أن ننزه مهنتنا عن الارتزاق والمساهمة في نهب الناس. أن تتمايز نقابة الصيادلة، وتقود المعركة ضد الوضع المزري في قطاع الدواء.

The post عن الصيدلة وشرف المهنة appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست