الخميس، 30 يونيو 2016

ثقفني اون لاين : ساعة الحائط ليست صادقة

الزمن أو الزمان آلية وماكينة الحياة.. ما هي؟

الزمن أداة ومقياس لحساب ما نعيشه ونحياه من ساعات وأيام وليالي، فبعد سنة نقول قد مضى من العمر سنة، وبعد ساعة فقد مرت ساعة، ولكن ما هي الساعة حقًّا؟  نظريًّا تحتوي الساعة على ستين دقيقة، والدقيقة بداخلها ستون ثانية؛ إذن الساعة هي 3600 ثانية، هذه هي الساعة بوحدة الزمن كمقياس لكن هذا ليس دائمًا صحيحًا، فليست الساعة دائمًا ستين دقيقة، فكثيرًا ما نعيش ساعة مرت علينا بسرعة الدقيقة، وساعة أخرى ثقلت على قلوبنا ومرت بطيئة كألف عام. لذا فلا يمكن الحكم بديهيًّا أن الساعة ودقات عقاربها ما بين ثوانٍ ودقائق مقياس حقيقي لما نعيشه من زمن، فكل منا له زمنه الخاص وتقديره الشخصي لدقائق حياته.

بعد التشخيص السريع لفكرة الزمن الوقتية والحياتية، فقد حان أن نقسم فترات الزمن على طبيعتها ما بين ماضي عشناه، وحاضر نحياه بكل تفاصيله، ومستقبل لا نعلم عنه سوى أماني وطموحات.

بدايةً، الماضي هي الفترة من الزمن التي رحلت عنا فانطوت في طي النسيان، أو الذكرى بمعنى أدق فليس كل ما مضى يُنسى، وما يهمني في أمر الماضي هو حضوره و تأثيره في حياتنا، فليس لأنه ماضٍ فهو ميت أو منقطع عنا بسنوات حاجزة، فالزمن بطبيعته حتى وإن قسمناه ما بين ماضي وحاضر ومستقبل، فهذا لا يعني أبدًا أن كل فترة مستقلة بذاتها استقلالًا تامًا، وإنما الارتباط واضح ووثيق، فهي في النهاية حياة واحدة، فهي حياتي التي عشتها وأعيشها وسوف أعيشها، ربما اختلفت الأوقات لكني أنا المشترك الوحيد فيها جميعًا، فأنا الذي أحيا، وأنا الذي أنسى بإرادتي، وأنا الذي أتذكر وأستجلب ماضيًا وأيضًا مستقبلًا، فضلًا عما أعيشه من حاضر. إذن فلنتفق أن الماضي رغم غيابه فهو يطغى بحضوره في الذاكرة، ويمكننا استرجاعه في غمضة عين.

وعن الحاضر، فهي تلك اللحظة التي أكتب فيها مقالي، وهي اللحظة التي تقرأ أنت فيها المقال رغم اختلاف اللحظتين، لأن وجهتي وزمني يختلف بالطبع عن زمانك. وقد فكرت كثيرًا في نقطة الحاضر تحديدًا لصعوبة الحكم عليها زمنيًّا بمقياس الساعة الملل، فهل هي اللحظة الحالية التي نعيشها فقط، كيف ذلك وتلك اللحظة تمر فتصبح ماضيًا بعد لحظة أخرى تلتها وهكذا. وكأني أحاول إقناع نفسي والقارئ أن كل حياتنا بعد لحظة واحدة تنقلب إلى ماضي، عذرًا إن كنت أشتت بذلك القارئ لكننا نفكر سويًّا في عقدة الزمن، فسؤالي محدد: ما هي الفترة التي يمكن الحكم عليها أنها حاضر كي نتمكن أيضًا من الحكم على ما هو ماضٍ؟ هل السنة الحالية هي حاضري وكل ما سبق من سنوات ماضٍ مثلًا؟!

الحاضر له تأثير السحر أكثر بكثير من الماضي والمستقبل؛ لأنه اللحظة الحالية التي يحتاج الإنسان أن يتفاعل معها كي يصحح ماضيه في تحقيق مستقبله، أي أن الحاضر هو الفرصة الوحيدة لتعديل ماضٍ لم يعجبنا، وبلوغ مستقبل ربما يعجبنا. وليس أصدق على كلامي شيئًا أكثر من أننا نحيا الحاضر، نحيا الحاضر فحسب لا الماضي ولا المستقبل.

وعن المستقبل، فهو المجهول بيد الله وحده، كل ما نعرفه عنه مجرد تجليات وتخمينات منطقية بناءً على اجتهاد منا، وربما أماني وأحلام بعيدة كل البعد عن المنطق، وأيًّا كانت فالأمر مجهول.

ما سبق هو مجرد سرد منطقي بحت لفترات الزمن الطبيعية، ولكن ما ينقص الحديث هو ذاتية وخصوصية الأمر الكامنة في العالم الخاص بكل إنسان، فالماضي معروف ولكن لك أنت ماضٍ خاص بك، ولي أنا ماضٍ خاص بي.

زمني الخاص بي أنا لا تحكمه ساعات ودقائق، إنما تحكمه أحداث ومواقف وأشخاص وذكريات كلها تنصب في عالمي وليس عوالم من حولي، لذا فمرور سنة من العمر لا يعني أبدًا مرور سنة من عمري، فقد تمر كدقيقة أو مليون كما ذكرت آنفًا، وهنا مربط الفرس حيث تكمن حريتي الشخصية في تقسيم زمني وفترات حياتي كما أريد، فمن شريكي ليحاسبني!

هناك مسألة أخرى شديدة الأهمية ألا وهي سرعة الزمن، أمر محير حقًّا أن تختار بين مرور حياتك سريعًا وبين مرورها بطيئًا، فإذا مرت حياتك سريعًا فهي سعيدة، ولكن ربما لم يسعك الوقت أن تفعل كل ما تريد، وإن مرت حياتك بطيئة ستكون مملة حتى وإن كان لديك مزيد من الوقت، كلا الحياتين متاح ولك أن تختار بينهما، فإن أردت أن تعيش حياة سعيدة فلتملأها بأحداث ونجاحات وأهل وأصدقاء وذكريات…

وإن أردت أن تحيا حياة طويلة تشعر فيها بعقارب الساعة تدق في قلبك دقًّا، فحسبك ألا تفعل شيئًا في حياتك ستضحي طويلة ومملة بما يكفي.

رأيي الشخصي «أن حياة سعيدة وقصيرة خير ألف مرة من حياة طويلة مملة وبلا قيمة». فلتجعل لحياتك قيمةً وهدفًا ساميًا تعمل لأجله، فما تذكرت من علم الاقتصاد مبدأ أهم وأعظم من مبدأ «القيمة المضافة» الذي إن طبقناه في حياتنا سعدنا، فمع كل تصرف فكر فيما يضيفه إليك من قيمة وإن لم يضف شيئًا، فانصرف عنه في الحال.

آخر ما أود أن أفكر هو مسألة استعجال مرور الوقت والأيام لبلوغ حدث واحد في المستقبل، كثيرًا ما نحيا حياتنا من أجل شيء واحد فقط يتملك عقولنا وقلوبنا، فمثلًا أنا أعيش هذا الأسبوع وأتحمل كل ما فيه من نكد نفسي وضغط عملي على أمل أن أتنزه مع أصدقائي في نهاية الأسبوع مثلًا، أو أعيش عمري كله أذاكر وأدرس من أجل أن أشهد لحظة اعتراف بدرجة دكتوراه مثلًا، ولا عيب في ذلك ولكن الفكرة أني بذلك أبيع عمري كله وزماني جُله من أجل لحظة واحدة، وحينما تمر ما عاد شيء أعيش له وعليه، كالموظف الذي يعيش شهره بالكامل انتظارًا للحظة الراتب الذي لن يتبقى منه شيء، فهل هذه حياة!

لا تتعجل الأيام ولا تتمنى مرور عقارب الزمن لأنها تُحسب عليك ومنك، فكل لحظة تستهلكها، هي أيضًا تستهلكك وربما تُهلكك، فاحذر من العجلة، عش حياتك بكل تفاصيلها وجرب أن تفعل ما تنتظره في غير موعده؛ حتى تكسر الحاجز النفسي الذي يجعلك تعيش للحظة واحدة، وقد جربت ذلك عمليًّا وبدأت أنجح فيه بعد أن كنت ممن يعيشون زمانًا طويلًا من أجل لحظة قصيرة.

إن كنت تنتظر لحظة جميلة، فلما لا تجعل كل حياتك لحظات جميلة! كفاك أن تعرف أن ساعة الحائط ليست دائمًا صادقة في تعداد عمرك.

 

The post ساعة الحائط ليست صادقة appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست