تفاجئت وتفاجأ معي ملايين من العالم العربي والإسلامي، من إعلان الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك السعودية في منتصف الشهر الجاري، عن إنشاء التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، الذي يضم 35 دولة إسلامية، ويهدف بحسب بيانه التأسيسي، إلى محاربة الإرهاب عسكريًا وفكريًا أيًا كان مذهبه.
ماجعلني في حيرة من أمري ليس تشكيل كيان إسلامي لمواجهة الأعداء حتى لو كان هؤلاء الأعداء من بيننا، فهذا أمر طالما حلمنا به منذ عقود، لكن المثير للغرابة إعلان المملكة العربية السعودية عن تحالف جديد، وهي من أخفقت في مايسمى بالتحالف العربي “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين وقوات المخلوع علي عبدالله صالح، فالتحالف العربي كان ضد عدو معلوم (الحوثيين وقوات صالح) ومسرح العمليات معروف جغرافيًّا (دولة اليمن)، وبالرغم من ذلك أخفق، حتى وإن تم الإعلان عن نجاحه إعلاميًا.
فكيف سيتم النجاح وفق عدو غير محدد (الإرهاب)، وهي كلمة فضفاضة لا نعلم ماذا تشمل ولا أين يوجد عدوها، فهل سيقرر التحالف إن إسرائيل مثلًا أحد هؤلاء الإرهابيين؟ أم ماذا ستكون الضوابط المحددة لمصطلح الإرهاب؟ فإن كان التحالف المعروف عدوه أخفق، فما مصير تحالف لايعرف من عدوه أصلا؟
المثير للغرابه أيضًا هو الدول المشاركة في التحالف وكذلك نوايا وأهداف كل دولة من المشاركة.
المشاركون في التحالف الإسلامي
يشارك في التحالف حتى الآن وبحسب البيان التأسيسي كلٌّ من: السعودية وقطر والأردن والإمارات وباكستان والبحرين وبنغلاديش وتركيا وفلسطين والكويت ولبنان والمالديف وماليزيا واليمن ومصر وبنين وتشاد وتوغو وتونس وجيبوتي والسنغال والسودان والصومال والغابون وغينيا وجزر القمر وساحل العاج وليبيا ومالي والمغرب وموريتانيا والنيجر ونيجيريا وسيراليون.
المتأمل في تشكيل هذه الدول يرى أنه أمر يدعو حقًّا للاستغراب، فعلاقات الدول مع بعضها كل يوم بحال، مثلا السعودية وكأنها تريد أن تظهر في صف محاربة الإرهاب وحسب، فقد غيرت سياستها تجاة مصر فجأة تمامًا، فقد تحدثت بعض وكالات الأنباء السعودية عن نية الحكومة استثمار ما يزيد على ثلاثين مليار ريال سعودي (ثمانية مليارات دولار) في مصر.
كما أعلنت عن مساهمتها في توفير احتياجات مصر من البترول لمدة خمس سنوات، ودعم حركة النقل في قناة السويس من قبل السفن السعودية، بينما كان الأمر خلاف ذلك طيلة الأشهر الماضية، فقد شنت الأجهزة الإعلامية المصرية والمعروفة بتبعيتها للمخابرات حملة شرسة ضد السعودية والملك سلمان.
أما مصر فهي دولة مثقلة بالديون والاضطرابات المستمرة، كذلك لم يحسم أمرها بخصوص الانقلاب العسكري الذي قام به عبدالفتاح السيسي في يونيو 2013، لكن الجميع يرى أن المشاركة هدفها الارتزاق والبحث عن دعم اقتصادي علاوة على البحث عن شرعية لا تتوفر لهذا النظام.
والأغرب أيضا هو انضمام بعض الدول ممن لاجيوش لها ولا استقرار، فانضمام فلسطين هو أمر مثير للسخرية والشفقة معًا، فلسطين دولة محتلة منذ 1948 ولم تفلح عسكريا طيلة هذه السنين، بل إن سياستها قائمة على التنسيق مع إسرائيل (وهي يفترض أنها العدو والمحتل)، أما لبنان فلديها من المشاكل مايجعلها تكتفي بنفسها، وجيشها أصلًا يعيش على المساعدات السعودية، كما أن طريقة تشكليه تقوم على الطوائف، وليبيا تشاركهم نفس الحال فهي تعاني من انقسام بين سلطتين داخليتين، وهما قوات فجر ليبيا، والجيش الوطني الليبي، فكيف لها أن تشارك في هذا التحالف وهي تحتاج لتحالف لمساعدتها.
الرافضون للتحالف الإسلامي
الغريب أيضًا أن سوريا والعراق لا تشاركان في هذا التحالف وهما الأحوج إليه، فكلتا الدولتين تعاني من الإرهاب المستمر، وتنظيم الدولة “داعش” يعتبرها مناطق قوة له.
لكن وجهة النظر الإيرانية كان لها رأي آخر، حيث انتقدت إيران عدم مشاركة العراق وسوريا في التحالف بل امتد الانتقاد لتصريح الرسمي لوزير الخاريجة الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي أكد أن بعض الجماعات المرتبطة بتنظيم “داعش” شاركت في المحادثات التي استضافتها السعودية لجماعات وفصائل من المعارضة السورية في العاصمة الرياض مؤخرًا.
ولاتستبعد الإتهامات بحق السعودية على أن التحالف يعتبر حربًا بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يصب في مصلحة السعودية تجاه تنامي النفوذ الإيراني، وما يعزز هذه الاتهامات هو دعوة جون كيري منذ أسابيع وقبل الإعلان عن إنشاء التحالف لإنشاء قوات إسلامية لمحاربة داعش.
ومن الدول الرافضة للمشاركة هي سلطنة عمان والجزائر، واللتان ترفضان مشاركة قواتهما في أي عمل خارج الحدود.
ومن المثير للسخرية أيضًا، أن خارجية بعض الدول أعلنت دهشتها من إعلانها ضمن المشاركين في التحالف، حيث لم تعلن عن انضمامها فيه سوى في الإعلام، مثل باكستان.
مساعٍ أمريكية لتشكل التحالف
إن الحرب ضد الإرهاب أمر لا يرفضه أحد، بل إن مصلحة جميع الدول أن تتكاتف لمواجهة الإرهاب، وأمريكا أيقنت أن حربها المباشرة مصيرها الفشل ولها في فيتنام وأفغانستان والعراق عبرة، ومع تنامي وتصاعد النفوذ الإيراني بالمنطقة خاصة لو شهد ذلك تقاربًا إيرانيًّا روسيًّا، سيجعل الإدارة الأمريكية في قلق دائم، لذلك تسعى لتحجيم الدور الإيراني في المنطقة عن طريق حرب إسلامية – إسلامية، ناهيك عن هدفها المستمر في إنهاك هذه الجيوش (العربية والإسلامية) مما يصب أخيرًا في مصلحة إسرائيل.
إن الموقف المتعقل والذي صدر عن بعض الدول، والذي جاء مؤكدًا أن التحالف ليس عسكريًا، إنما هو تحالف استخباراتي واستشاري لمواجهة الإرهاب والتنسيق في محاربته، هو خير دليل على وعي سياسي كبير، فالتحالف إن أخذ شكلًا عسكريًا سيصبح فخًا للدول المشاركة فيه وسيلاقي العالم الإسلامي كله ويلات هذا التحالف.
The post ويسألونك عن التحالف الإسلامي appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست