“الشنطة فيها كتاب دين”، تلك الجملة العامية “الفصيحة” التي تعبرعن حال تدينٍ مصري عجز المفسرون عن فك رموزه، وكأنه حجر رشيد الديني والطقوسي الخاص بالمصريين. من منا لم يصادفه ذلك الموقف بالمدرسة، والذي صادفني شخصيا وأتذكره تمام التذكر، فلما كان تأخر المعلم عن القدوم للفصل إذا بزملائي يستغلون وقتهم، ويقضونه في سجال وصراع طفولي، لا يخلو من المطاردات والشجارات الصغيرة – وللحق فقد كنت أِشارك فيها أحيانا كثيرة – ثم تأتي تلك اللحظة عندما يمسك فيها أحدهم بحقيبة زميله المدرسية ثم يهدد – على طريقة الأفلام البوليسية الرديئة – بإلقائها من النافذة، عندها يتقمص صاحب الحقيبة أو “الخصم” دور المحامي الهمام الذي أتى بدليل البراءة عن الحقيبة، حمل لها الشفاعة، وأنقذها من السقوط من النافذة – كما يفعل تماما ذلك البطل بذات الفيلم الرديء – ليقول مقولته الخالدة: “الشنطة فيها كتاب دين”.
جملة قد يراها البعض تافهة وساذجة إلى حد لا يعتبر الخوض في حديث عنها مفيدًا، ولكنها على العكس من ذلك فإنها تكشف عن بعد نفسي، واجتماعي، وعقائدي موغل بتكوين الشخصية المصرية – المتدينة بطبعها – كما درج على وصفها، متلازمة تشربها الجميع – إلا من رحم ربي – كما تشربوا مياه النيل، إنها متلازمة (التقديس في غير محله) كما خطر ببالي أن أصفها.
عندها وجهت حديثي إلى صاحبنا – صانع الفيلم الرديء – وسألته عما إذا كان إلقاء الحقيبة بكتاب أو بدونه أمرًا يقبله الدين من الأساس، كانت تلك حجتي أمام زملائي الذين وجدتهم ساذجين وفارغي العقول إلى حد كبير، وجدت نفسي شبه وحيد بالطبع. ترى ما الذي يدفعهم لتقديس كتاب – لم يقرأوا منه صفحة – إلى هذا الحد؟
دافع من تركوني في هجومي وحيدًا بأن محتواه من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التي لا يجوز تدنيسها، وكان ردي بأن القران والأحاديث النبوية تلك تدعوكم إلى احترام الآخر، وعدم إهدار حقوقه ولو حتى أقلها شأنا، وحق الآخر هنا ألا تُلقى حقيبته على الأرض، مهلاً.. تحدثت عن الآخر؟! اتُهمتُ بتضخيم الموضوع، وبالخروج عن قواعد اللعبة المتعارف عليها، ربما تتهمني أنت أيضًا بأنني ممن يحبون الجدال و”تكبير المواضيع”، لكن الواقع يقول أن من يكون مانعه الوحيد عن إلقاء حقيبة زميله من النافذة هو احتواؤها على كتاب للدين مقدسًا إياه، هو ذاته من يقدس رجل الدين، وسب الدين، وأي شيء التصق باسم الدين دون شخص الدين.
ذلك الذي سيصير فيما بعد مقدسًا لكلام شيخه، وإن كان خاطئًا دون الدين، ولرأيه المتزمت دون الدين، هو من سيقدس الأذان دون الصلاة، ويقدس الحج والزكاة، ولا يقدس الأمانة التي خانها حين اكتسب ثمنهم من السرقة، تلك النوعية المتدنية – وليست المتدينة – من البشر الذين كتب عنهم العبقري نجيب محفوظ: “أعرف الكثير من اللصوص يضعون على مكاتبهم عبارة (هذا من فضل ربي)” هم أولئك الذين هددوا وهُدِّدوا في طفولتهم بإلقاء الحقيبة من النافذة، من ثم تراجعوا احترامًا لوريقات لم يقرأوا منها سطرًا ولم يتعلموا منها حرفًا. فأرجوكم علموا أولادكم ألا يلقوا حقائب زملائهم من النافذة، وإن كانت فارغة!
The post احترس! الحقيبة بها كتاب للدين appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست