في فبراير (شباط) 2011، قامت جمعية لا يعرفها جل الفلسطينيين بقطاع غزة، تُدعى «ملتقى الشقاقي» بإحياء ذكرى قيام الثورة الإسلامية الإيرانية في شمال القطاع.
وبعد نحو الشهرين من هذا الحدث، نشرت وكالة «فرانس برس» تقريرًا صحافيًا معنونًا بـ«فلسطينيون يعتنقون المذهب الشيعي في غزة»، وكان بين مجموع المتحدثين للوكالة رئيس الملتقى السابق ويدعى هشام سالم، الذي استضاف صحافي الوكالة في غرفة بمنزله ممتلئة بصور كبيرة، إحداها للإمام الخامنئي وثانية لزعيم «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، وثالثة لمؤسس حركة «الجهاد الإسلامي» فتحي الشقاقي.
وفي حديثه، قال سالم الذي حاول التهرب من الإقرار المباشر بأنه شيعي المذهب: «أتحدث أحيانًا باسم الشيعة في النقاشات فأنا مقتنع بما يطرحه المذهب الشيعي، ولا نعتبر هذا جريمة لكن مذهبي علاقة مع الله»، معاتبًا في التقرير ذاته، حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بسبب «التقصير تجاه الشيعة»، لاعتباره بشكل شخصي أن: «الحركتين أكثر مَن تعامل مع إيران، والواجب الأخلاقي يحتم عليهما أن تتصديا للمغالطات ضد الشيعة في القطاع».
«الصابرين» الشيعية تنبثق من عباءة «الجهاد الإسلامي»
لم يخف هشام سالم موقفه من «حركة الجهاد الإسلامي» بعد فصله من الحركة التي كان ينتمي إليها قبل عام 2005، فرغم أنه حاول مرارًا التأكيد على أن العلاقة مع «حركة الجهاد» قوية ومميزة وهناك تواصل، إلا أنه لم ينكر أن خلافات وصفها بالإدارية دفعت نحو أن يكون «من الأفضل أن نشكل تنظيمًا جديدًا أفضل من بقائنا ضمن حركة الجهاد».
ولذلك لم يكن مفاجئًا يوم 25 مايو (أيار) 2014، أن يعلن سالم الذي زار إيران في عام 2007 عن تأسيس حركة «الصابرين نصرًا لفلسطين (حصن)» بقيادته، وبانضمام عناصر منشقة عن «حركة الجهاد» معلنين ولاءهم لإيران، ورافعين راية هي نسخة معدّلة عن راية «حزب الله» اللبناني. وبمراجعة تصريحات سابقة لقادة الحركة، يبدو أن نواة الحركة بدأت تنبثق عن «الجهاد الإسلامي» في عام 2010، إذ برز من وسط المنتمين لـ«حركة الجهاد» من يظهر إعجابه الشديد بالثورة الإسلامية الإيرانية. وينقل موقع «المونيتور» الأمريكي عن القيادي في «حركة الصابرين» محمّد حرب، أن تيارهم طالب «الجهاد الإسلامي» ببعض الإصلاحات الإدارية، على مستوى الهيكل التنظيمي وآليات اتخاذ القرار داخل الحركة: «إلاّ أنّ الحركة لم تتمكّن من احتواء هذا التيّار، وأصبحت غير راغبة في وجوده، وبتمويل من إيران لجأ هذا التيّار الإصلاحي إلى الانشقاق عن الحركة الأمّ وتأسيس حركة أخرى أطلقوا عليها اسم حركة الصابرين نصرًا لفلسطين (حصن)».
ومع هذه المؤشرات ثم تماهي التابعين لحركة «الصابرين» في تأييد النظامين الإيراني والسوري، وُلّد تصور عام في قطاع غزة أن الحركة هي حركة مذهبية تهدف إلى خلق كيان شيعي في غزة على شاكلة «حزب الله» في لبنان و«أنصار الله» في اليمن، وهي القناعة التي دفعت سالم إلى التملص من قناعاته السابقة التي أعلنها، حيث أخذ يكرر بعد ذلك: «نحن لسنا حركة مذهبية، نحن حركة إسلامية فلسطينية مقاومة، ونرفض الزج باسمنا في الصراعات المذهبية التكفيرية الرخيصة والدنيئة».
ويتركز وجود الحركة في شمال قطاع غزة؛ حيث يقطن المؤسس سالم، وكذلك في حي الشجاعية (شرق غزة) والمنطقة الوسطى بالقطاع، ويطغى على تحركاتها الطابع الأمني نتيجة عدم تقبل الشارع الفلسطيني لها، وخشية استهداف عناصرها من قبل إسرائيل. وتشير مصادر أمريكية إلى أن «حركة الصابرين» تتلقى عشرة ملايين دولار سنويًا من طهران، يذهب جزء منها إلى المشاريع الخيرية التي تهدف إلى تأطير المجتمع بغزة مع الحركة. وتتباهى الحركة بعملها العسكري في قطاع غزة رغم محدوديته، وهو العمل الذي استندت إليه وزارة الخارجية الأمريكية في تصنيفها للحركة باعتبارها منظمة إرهابية في 31 يناير (كانون الثاني) 2018، إذ جاء في بيان الوزارة أن «حركة الصابرين» هي «منظمة إرهابية مدعومة من إيران، تأسست عام 2014، وتنشط في قطاع غزة والضفة الغربية ويقودها هشام سالم، القيادي السابق بحركة الجهاد، المصنفة كمنظمة إرهابية».
إيران تزج بـ«الصابرين» بديلًا أمثل عن «الجهاد الإسلامي»
انضوي مؤسس «حركة الصابرين» هشام سالم تحت عباءة الجناح العسكري لـ«حركة الجهاد» الإسلامي (سرايا القدس) حتى عام 2005 كما أسلفنا، وبرز كقيادي عسكري له دور في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لدرجة أنه أدرج على قوائم الاغتيال الإسرائيلية.
خلال الهجوم بالقنابل على منزل هشام سالم، رئيس «حركة الصابرين» عام 2016
لكن لا أحد يعلم بالتحديد متى دب الخلاف بين سالم و«حركة الجهاد»، ذلك الخلاف الذي رمى بسالم خارج الحركة لخلافات فكرية وإدارية. المهم أن سالم عجل نحو استقطاب أعداد من المنتمين لـ«حركة الجهاد» كما سبق القول حتى إذا ما اندلعت ثورات الربيع العربي وأهمها لإيران؛ الثورة السورية، تجرأ سالم في إظهار ولائه لإيران في الوقت الذي تأزمت فيه علاقات «حركة الجهاد» بإيران، وتراجع الدعم الإيراني للحركة مقابل منحه لـ«حركة الصابرين».
وفي أبريل (نيسان) 2016، عاد الحديث عن خلافات «الصابرين» مع «حركة الجهاد» من جديد، فذكرت مصادر إسرائيلية أن إيران تعمل على دمج الحركتين، باتفاق مقبول مبدئيًا من جميع الأطراف، ويقضى بأن تسلم «الصابرين» سلاحها للمسؤولين في «حركة الجهاد»، وأن يعين سالم وقيادات مقربة منه في مناصب مهمة داخل (سرايا القدس)، وتحدثت تلك المصادر عن قبول سالم لهذا الاتفاق تحت وطأة تشديد الخناق عليه من حركة «حماس»، وهو الخناق المتمثل في إغلاق كامل لجمعية «الباقيات الصالحات» التي يرأسها سالم، والتي قالت «حماس» إنه يتم من خلالها تنفذ أنشطة سياسية للصابرين، ورغم وجود مؤشرات إيجابية على تنفيذ هذا الاتفاق إلا أنه لم يتم.
بيد أن الحديث الأهم عن الخلاف بين حركة الجهاد والصابرين أفرزه الموقف الإيراني من الانتخابات الداخلية لحركة الجهاد في سبتمبر (أيلول) 2018، فقبل أن تفرز تلك الانتخابات تركيبة قيادية جديدة، تمثلت في فوز زياد النخالة المقرب من إيران بمنصب الأمانة العامة للحركة، ظهر أن إيران لا تأمن لحركة الجهاد في ظل اتساع نفوذ الرافضين للتقارب معها داخل الحركة بعد تراجع دور الأمين العام السابق رمضان شلح، وبعد استمرار الأزمة بين إيران والجهاد الناجمة عن مواقف الحركة من اتخاذ موقف داعم للنظام السوري، أو رافض للدور السعودي في الحرب اليمنية، والذي قابلته إيران بخفض دعمها المالي والمس بحقبة التحالف المعروفة بين الجانبين، فحين أثيرت هذه الخلافات تحدث المراقبون عن استخدام إيران لحركة الصابرين كبديل أمثل عن الجهاد، وقد تكون تحركات طهران في الفترة الأخيرة من أجل الدفع بالصابرين الى الواجهة في ظل تزايد نفوذ التيار الرافض للعلاقة مع طهران داخل الجهاد، إذ فاز في هذه الانتخابات محمد الهندي المقرب من الإخوان المسلمين وأحد المعارضين للتقارب المفتوح مع طهرن بعضوية المكتب السياسي للحركة، مع قيادات أخرى تميل نحو الإقبال على علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الإقليمية، فمع إفراز الانتخابات الداخلية الأخيرة للحركة تيارًا قريبًا من جماعة الإخوان يبدو أن إيران تتجه نحو الصابرين مهتمة ببديل حقيقي عن حركة الجهاد التي تتحرك نحو البحث عن علاقات ومصادر تمويل أخرى بديلة عن التمويل الإيراني الذي يوصف بأنه بات مُبتزًا وغير كافٍ.
القياديان الفلسطينيان، محمد الهندي، ومحمود الزهار
لماذا تُحكم «حماس» الخناق على «الصابرين»؟
منذ نشأتها في حقبة تولي «حماس» الحكم في قطاع غزة، تواجه «حركة الصابرين» ومؤسسها «رجل إيران» هشام سالم، صراعًا يتسم بالمد والجزر مع «حركة حماس»، يتزامن مع احتقان شعبي بلغ الذروة لاتهامها بنشر التشيع في قطاع غزة.
أبرز الأحداث في هذا الصراع، سجل في السابع من يوليو (تموز) 2015، حين تم الحديث عن حل «حماس» للحركة الجديدة، وبينما نفت «الصابرين» صحة هذه المعلومات، بالقول في بيان خاص: «إننا ننزه حركة حماس المقاومة والمجاهدة والتي عانت ما عانت في تاريخها المقاوم من أن تقوم بهذا الفعل، وهي تعي هذا الكلام جيدًا وتدرك خطورته، وهي أحكم من أن تسجل على نفسها هكذا خطأً استراتيجيًا وتاريخيًا»؛ توالت الأحداث التي تؤكد أن «الصابرين» حركة غير مرغوب فيها سواء شعبيًا من سكان قطاع غزة ذي الغالبية السنية، أو من «حركة حماس»، ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2015 تعرض سالم للطعن على يد مجهول لم ترق له تصريحات سالم الصحافية مع قنوات إيرانية قابلته في موقع «ناحال عوز» العسكري شرق غزة، ونجا في 19 فبراير (شباط) 2016، من عبوة ناسفة وضعت أمام منزله في شمال قطاع غزة.
فلسطينيون مؤيدون لحركة حماس في غزة
لكن بعد ما يقارب العامين على العلاقة المتوترة بين «حماس» و«الصابرين»، والتردد في اتخاذ موقف حاسم من «الصابرين»، أقدمت «حماس» في يوم 13 مارس (آذار) 2016، على إغلاق وحل جمعية «الباقيات الصالحات» الخيرية، التابعة لـ«الصابرين» لمخالفتها قانون الجمعيات الخيريةبممارسته نشاطًا سياسيًا. واستفز القرار سالم فقال إن الجمعية كانت: «عرضة للتضييق من قبل السلطة الحاكمة، بفعل سياسات مستبدة لا تنظر للمصلحة العامة كأولوية ولا تراعي البعد الإنساني إلا ما وافق هواها». وواصلت «حماس» إجراءاتها ضد «الصابرين» فأقدمت في 16 ديسمبر (كانون الأول) 2016 على اعتقال قادة الحركة، ومنهم محمد حرب، الذي جاهر دومًا بتأييد النظام السوري والحوثيين في اليمن و «حزب الله» اللبناني، بل غرد أن معركة سيطرة النظام السوري على حلب هي «انتصار أغاظ أعداء الله من الصهاينة والأمريكان والأوروبيين»، ومن وصفهم من العرب بـ«أدعياء الإسلام والإرهابيين». ودفعت هذه الأوضاع سالم لمحاولة مغادرة غزة، لكنه رغم نجاحه في إخراجه عائلته إلى طهران فشل هو في الخروج بسبب ظروف معبر رفح، ووجود ترتيبات متعلقة بحركته التي تملك كميات كبيرة من المال والسلاح.
لوحة إعلانية تشكر إيران في مدينة غزة
ومر العامان الأخيران دون أحداث بارزة في صراع حركة «حماس» مع «الصابرين»، إذ أشيع أن أمر الهدوء يعود إلى وجود تسوية تدخلت فيها أطراف خارجية لإنهاء مطاردة سالم، لكن شن حملة اعتقال لقادة «الصابرين» أهمهم سالم الذي اعتقل قبل أيام من منزله مع أربعة من مساعديه؛ أعاد الطرفين إلى حلبة صراع غير مسبوقة بحل الحركة، واتهام قادتها بالفساد المالي الذي مارسه بعض قيادات الحركة، أو الخروج الإجماعي الفصائلي بغزة بالوقوف وراء محاولات لإطلاق صواريخ باتجاه المستوطنات الإسرائيلية.
وفيما رأت بعض المصادر أن الحملة تأتي في سياق محاولات إنهاء عمل «الصابرين» في القطاع، وجمع سلاحها من دون أن تعلن حماس ذلك، تذهب مصادر أخرى إلى أن توقيت الحملة يرتبط بضغوطات دول عربية تمارس على المكتب السياسي لـ«حماس»، خاصة من قطر ومصر، يدفع نحو تلبيتها التخفيض الكبير على الدعم الإيراني لـ«حماس»، ولذلك تم الربط بشكل وثيق بين هذ الحملة وبين الإفراج عن عناصر «كوماندوز القسام» الأربعة من السجون المصرية قبل أيام، ورغم نفي «حماس» صحة ذلك تؤكد مصادر فلسطينية على أن إجراءات «حماس» الأخيرة بحق «الصابرين» ناجمة عن وجود صفقة سرية بينها وبين المخابرات المصرية، بهدف تقليص النفوذ الإيراني في غزة، وقد ساعد «حماس» على ذلك رفع إيران الغطاء عن «الصابرين» في الأشهر الأخيرة.
إيران قد لا تصبح وفية لها.. ماذا ستخسر «حماس» لو فتحت جبهة أخرى ضد إسرائيل؟
The post لماذا تُضيق «حماس» الخناق على حركة «الصابرين» الشيعية في غزة؟ appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست