الخميس، 1 فبراير 2018

ثقفني اون لاين : سلسلة «حقبة من تاريخ الكرد» ج (3)

كما أشرنا في الجزء السابق من قراءتنا للكتاب، كانت انتفاضة ميركور 1832– 1836 في كردستان العراق تحديًا كبيرًا للدولة العثمانية، إذ أراد الأمير السوراني ميركور «محمد باشا الرواندوزي» أن يوحد الكرد جميعهم داخل الدولة العثمانية وإيران تحت حكمه. وقلنا إن ميركور كان رجلًا سياسيًّا وعسكريًّا ومصلحًا من الطراز الفريد، في القرن التاسع عشر. وانتفاضته كانت أول انتفاضة كردية في التاريخ المعاصر، استهدفت جمع شمل الكرد في دولة مستقلة.

لنتحدث في هذا الجزء عن حكومته بشكل أعمق قليلًا.

دولة مير
محمد السوراني «ميركور»

ميركور حكم كردستان العراق بين عامي 1828- 1836، وربما في المستطاع أن نقول إنه كان الأخطر على الإمبراطورية العثمانية بعد محمد علي باشا حاكم مصر بين 1805- 1848. والجدير بالذكر هنا، هو أن الإمارة السورانية كانت مستقلة استقلالًا تامًّا في الحكم عن الإمبراطورية العثمانية، مثلها مثل الإمارة البوتانية والبهدينانية والبابانية، مع إعطاء الولاء رمزيًا للسلطان العثماني، كونه يمثل الخلافة الإسلامية!

بدأت إمارته في 1828م، وحققت تقدمات كبيرة، فاتسعت خارج حدودها التقليدية إلى أربيل، وبهدينان، «دهوك، عقرة، سنجار وعمادية»، ولفترة قصيرة احتلت إمارته بعض مدن كردستان تركيا مثل مدينة جزيرة، نصيبين وماردين، ثم، في عام 1935م استقبل أهالي المناطق الكردية في إيران قوات ميركور حين انطلقت إليها، وعدوها محررين لهم. ومن هنا يقال إن ميركور السياسي الذكي، كان قائدًا لكل كردستان.

لمحة عن حنكته العسكرية

مما يبين كون ميركور عسكريًا ناجحًا، أولًا، أنه خاض معارك عديدة واجه فيها عشائر برادوست، فأخضعها لإمرته، وهي لم تخضع طوال الحكم العثماني لأي سلطة. ثانيًا، أنه جهز حملة ونجح فيها في إخضاع الإمارة البهدينانية، الإمارة البهدينانية كانت معروفة بمناعة حصونها، وبلادهم كانت وعرة، لكن لم تقف هذه المشاكل عوائق أمام ميركور لإخضاعها لحكمه. ومن عبقرية ميركور رفضه توريط قواته في حصار مدينة الموصل، لمعرفته أنه سيستنزف قواته كما استنزفت قوات من قبله. وأيضًا قهره محمد رشيد باشا -الصدر العثماني الأعظم كما يقول الكاتب- في معركة حرير 1834 دليل على قوته العسكرية، وعبقريته، فمع أن قواتهم كانت متفوقة على قوات ميركور، عتادًا وكثرة، فإن محمد رشيد باشا اضطر أن ينسحب ويترك غنائم كثيرة للقوات الكردية.

وهنا أود إبراز نقطة مهمة، وهي أن ميركور لم يكن من الساعين في القتل، المحبين للدماء والسيطرة، لكنه حين رأى الفساد الذي بدأ في الدولة العثمانية، وخضوعها للغرب، خاصة روسيا وبريطانيا، وجد نفسه أكثر أهلية من الدولة العثمانية لقيادة المسلمين الكرد. فبنى ميركور جيشًا قوامه 10 آلاف فارس و20 ألفًا من المشاة، وكانوا يتمتعون بقدرات عالية، وأسلحة قوية حديثة، وأقيمت لأجله مصانع أنتجت أكثر من 200 مدفع. وسعيه هذا كان من أجل أن يبني دولة في كردستان تكون ندًّا لإيران ولدولة العثمانيين التي بدأت آثار مرضها تظهر.

فكان الناس ينبهرون بحلم ميركور وعبقريته السياسية وكفاءته الإدارية، ويرى بعضهم أنه كان مؤهلًا لتطهير أجهزة الدولة العثمانية مما فيها من الفساد.

من أسباب
بروز نجم ميركور

بالنسبة للباحث الدكتور كاوس قة فتان، كان يرى أن حصانة راوندوز وما حولها، وكونها على مفترق الطرق التجارية، أعطى ميركور قوة مالية وسياسية، ولأن محمد علي باشا الذي أوشك أن يحتل إسطنبول، كان قد احتل سوريا وأجزاء من تركيا، فقد كانت الدولة العثمانية في حالة ضعف شديد، فلم تكن الدولة العثمانية في موقع تحدي مير محمد. ويرى أيضًا أن ضعف الإمارة البابانية جعلت الدولة العثمانية تغض النظر عن توسعات ميركور، ويقول كانت الإمارة الكردية المجاورة تعاني من التناحر الداخلي، ولكن مير محمد بدهائه استطاع أن يخلص إمارته من ذلك، واهتم بالتوسع الخارجي.

يتفق كاتبنا عثمان علي «الذي نتابع قراءة كتابه»، مع الدكتور قة فتان في بعض هذه الأسباب، ولكنه يرى أن السبب الأهم قبل كل الأسباب، هو شخص مير محمد، وأرى هذا أصوب.

عالم الدين
الكردي ملا ختي وأثر فتواه في سقوط الإمارة السورانية!

كان ملا ختي قد أصدر فتوى
بتحريم ما يفعله ميركور من محاربة، ووقوف أمام الدولة العثمانية، بوصفها قوات
خليفة المسلمين، فرأى الكثير من الباحثين أن هذه الفتوى كانت السبب الرئيس في سقوط
إمارة سوران، دون تمحيص ومراجعة!

وهل يعقل لفتوى أن تكون سببًا في سقوط إمارة بهذه القوة، ويحكمها أمير مثل مير محمد، وقد رأينا حنكته وقوته وبراعته! أليست في هذا استهانة بأمير مثل ميركور؟ الحكيم المحنك إداريًّا!

الدكتور قة فتان مثلًا، يقول كلا، لا يعقل، ويعزي السبب لمير كور، يقول إن مير كور هو من تأكد من أن قتاله أمام الدولة العثمانية لم يعد له جدوى، ولم يكن للفتوى تأثير في صنع قراره. لكن، وللأسف، استغل الكثير من الباحثين العلمانيين هذه الفتوى، فجعلوها دليلًا على استعمال الإسلام وتشريعاته لقهر الكرد، ونالوا من دور العلماء المسلمين الكرد.

يقول الكاتب: إن حرب مير محمد على السلطان العثماني كانت حربًا شرعية لأن السلطان العثماني أخل بالعقد الذي التزمت به الدولة العثمانية في القرن السادس عشر، مع أمراء الكرد، إذ وافقت الدولة العثمانية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للإمارات الكردية، مقابل تعهد الأمراء الكرد بإعطاء الولاء الرسمي للخليفة! وعدد معين من المقاتلين الكرد للجيش العثماني في حروبها الخارجية! «بدليسي، شرف نامه».

مير كور لم يكن قد أعلن عصيانه على السلطان حينما أرسل السلطان محمود الثاني قواته ضد ميركور، مما يعني أن هذا إخلال واضح بالعقد! والخلافة الإسلامية بما أنها عقد بين المسلمين والخليفة تتحدد شروطها بالقران الكريم والسنة «الشريفة» والعقود الشرعية، فبإمكان كل مسلم أن يحارب الخليفة إذا أخل بعقد شرعي! «عثمان، محمد فتحي. من أصول الفكر السياسي الإسلامي».

أثر محمود
الثاني!

محمود الثاني، الخليفة من 1808 حتى 1839، يبدو أنه كان السبب الأكبر في هذا السقوط، كان محمود الثاني ذا نزعة مركزية، صمم على إزالة حكم الإمارات لشؤونها الداخلية ليثبت قوة السلطة المركزية في كل أنحاء الإمبراطورية، ونجح، وقبل عام 1830م أزيلت إمارات التركمان في الأناضول، وأنهى حكم الإمارة الجليلة في موصل، وأزيل حكم المماليك في بغداد، والمهمة الكبرى التي تفرغ لها السلطان بعد اتفاقية كوتاهيا مع محمد علي باشا في مصر 1833م، كانت إخضاع مير كور، إذ أصبح قوة مهددة للسلطة العثمانية!

كيف كانت
خطة العثمانيين؟

زحف علي رضا والي بغداد من الجنوب مع جيشه إلى أربيل «هة ولير» ومحمد بيرقدار والي الموصل مع جيشه من الغرب، والقوات العثمانية والكردية الموالية للحكومة تحت قيادة محمد رشيد باشا من بهدينان، اتجهوا إلى راوندوز، وتعاركوا معارك كثيرة متسلسلة، حتى سقطت أكثر قلاع الإمارة السورانية، وحاصروا راوندوز من الجهات جميعها، فقبل مير محمد بفتوى ملا محمد ختي، على أمل الحصول على العفو من السلطان، فكرمه السلطان، ولكن الوالي في بغداد اغتاله في مدينة طرابزون، خوفًا منه أن يعود إلى كردستان، ليتحدى سلطته!

طبعًا لا نخفي هنا دور القوى الخارجية الأساسي في حسم هذا الصراع لصالح العثمانيين، ولا سيما بريطانيا، فقد عملت بجد وكد وقادت مؤامرة دولية للحفاظ على الإمبراطورية العثمانية المريضة حينها! ولإبقاء وضع الشرق الأوسط على حاله لاستغلال مصالحها. والعوامل الداخلية إذ كانت القيادة الكردية إقطاعية التركيب، وإن خضعت القيادة لأمير راوندوز رهبة ورغبة، إلا أن مصالحهم الآنية، الفردية الضيقة كما يقول الكاتب، جعلتهم يتحينون الفرص لإعلان التمرد، والأمير لم يحاول كسب ودهم، بل حاول اغتصاب إماراتهم بالعنف، فكلّ الناس تعبوا من استعمال العنف غير المحدود تجاههم ومن الحروب، فهذا أيضًا هيأ أجواء مناسبة لكسح الإمارة من قبل العثمانيين، فسقطت القلاع الكردية بسهولة «قة فتان».

يتبع: «حكومة بدرخان الكردية، والصراع الكردي الآشوري»

The post سلسلة «حقبة من تاريخ الكرد» ج (3) appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست