الجمعة، 30 يونيو 2017

ثقفني اون لاين : الإسلاميون وفزَّاعة العـلمانية

في أواخر سنة 2011، و بعد صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم في مصر. دعا رجب طيب أردوغان في برنامج حواري على إحدى الفضائيات، المصريين إلى صياغة دستور يقوم على مبادئ العلمانية، وقال: «الآن في هذه الفترة الانتقالية في مصر وما بعدها أنا مؤمن بأن المصريين سيقيمون موضوع الديمقراطية بشكل جيد، وسوف يرون أن الدول العلمانية لا تعني (اللادينية)، وإنما تعني احترام كل الأديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه».

لكن، سرعان ما انهالت ردود الفعل بين المؤيدين الذين اعتبروا أطروحة الرجل الأول في تركيا طفرة جديدة في الفكر السياسي الإسلامي ومراجعة جريئة تجاوبت مع المتغيرات السياسية والفكرية في العالم الإسلامي المعاصر، وبين المعارضين ممن شنوا حربًا شعواء على ما اعتبروه خيانة لمشروع الخلافة الإسلامية ونكوصًا في مسار تطبيق الشريعة.
واليوم وبعد خمس سنوات ونيّف من هذا الحدث، لا يزال سؤال العلمانية مطروحًا وبشدة في المعترك السياسي الإسلامي خصوصًا بعد عدم نجاح الإخوان المسلمين في احتواء كافة أطياف مجتمعهم وإصرارهم على طبع الدولة المصرية بالطابع الديني (الإسلام)، الشيء الذي ساعد إلى حد كبير المتربصين بهم من قوى رجعية وتحكمية في الانقلاب عليهم وعلى الديمقراطية. وبعد المراجعات الأخيرة لحركة النهضة التونسية (قبل زهاء السنة) التي اقتنعت أن التمييز بين السياسي والدعوي أصبح ضرورة حتمية للمضي قدمًا في المسار السياسي للحزب وللدولة التونسية. فهل كان زعيم تركيا مخطئا حين اعتبر أن للإسلام قابلية لدمج العلمانية تحت لوائه؟ أم أنها مجازفة قد تكون عواقبها وخيمية على الدين والدولة في العالم الإسلامي؟ وهل مراجعات الحركات الإسلامية الأخيرة باعتبارها «النهضة» جاءت عن اقتناع بأن التمييز بين الدين والسياسة أصبح حلا يحقق التوافق المجتمعي ويمضي بالدول نحو الإقلاع في مختلف الميادين؟ أم هي مجرد تكتيكات وألاعيب سياسية تلجأ إليها هذه الأخيرة لجبر كسور الربيع العربي؟

في كتاب للمستشار المصري محمد سعيد العشماوي رحمه الله عن الإسلام السياسي يذكر فيه أن الله أراد الإسلام أن يكون دينا، وأراد به الناس أن يكون سياسة. والدين عام إنساني شامل، أما السياسة فهي قاصرة محدودة قبلية محلية ومؤقتة. وقصر الدين على السياسة قصر له على نطاق ضيق وإقليم خاص وجماعة معينة ووقت بذاته. وبالتالي يستحيل الدين ضحية للسياسة، وتستحيل السياسة خطرا عليه، وبه على المجتمع. ولا غرو أنه إذا تصفحنا نزرًا يسيرًا من صحائف التاريخ المسيحي في أوروبا بجرائمه الدينية البشعة واللاإنسانية في حق الشعوب المستضعفة. وإذا استعرضنا فصولا متفرقة من تاريخنا الإسلامي السياسي ووقفنا عند كل مرحلة كان الخلط فيها بين الدين والسياسة سببًا في إزهاق نفوس وتجفيف أقلام واستغباء عقول. تتجلى أمامنا حقيقة صارخة وصاخبة وزاعقة أن الزج بالدين في السياسة خطر على الدين وخطر على الدولة والمجتمع، وأن معظم التجارب الإنسانية الراقية والمزدهرة صاحبتها سلطة سياسية عرفت كيف توازن بين الدين الذي يستشرف في الإنسان أرقى ما فيه وأسمى ما يمكن أن يصل إليه وبين السياسة التي تستثير فيه أحط ما يمكن أن ينزلق إليه.

فحين يعقد جملة من قادة الحركات الإسلامية المعاصرين في تركيا وتونس على سبيل المثال لا الحصر العزم على التمييز بين الديني والسياسي ويعلنون عن مراجعة جديدة ستبنى عليها لا محالة سلسلة من المراجعات الجذرية في فكر هذه الحركات وستغير بدون شك استراتيجياتها المستقبلية ورؤيتها للعالم الإسلامي على المدى المتوسط والبعيد، لا يمكن أن تكون هذه الخطوة منهم مجرد مناورات سياسية بل درسًا سياسيًا وتاريخيًا استوعبوه واستيقنوا من صدقيته ورأوا أن هذه القناعة لا تتعارض مع أصول الدين، بل تحميه من أن يكون أداة سياسية لخدمة السلطة كما كان في مراحل من التاريخ الإسلامي. وأن هذا هو السبيل الناهج والمهيع اللاحب من أجل تحرير الدين من الدولة بخلاف ما فعلته العلمانية الغربية، بما يكفل حرية الاعتقاد والتعايش على أسس سليمة.. يتبع.

The post الإسلاميون وفزَّاعة العـلمانية appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست