الثلاثاء، 31 يناير 2017

ثقفني اون لاين : ضحايا العنصرية المجهولين

في ظل انشغال الصحافة العالمية بتغطية الأيام الأولى لرئاسة ترامب، والجدل الذي أحدثته بعض قراراته الرئاسية، والتي تنوعت من قرارات عنصرية في مضمونها إلى قرارات مثيرة للضحك، قرارات قابلة للتنفيذ مباشرة، وأخرى مجرد حبر على ورق لأن صلاحية التصديق على تنفيذها تقع بيد الكونجرس، مثل التوقيع على قرار بناء الجدار الفاصل بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية الذي لن ينفذ ما لم يصادق عليه الكونجرس، وإحدى هذه القرارات المثيرة للدهشة والتي تذكرنا بشطحات القادة العرب هي توقيعه على إعلان رئاسي يجعل من يوم تنصيبه «عيدًا قوميًا للإخلاص الوطني».

أشد هذه القرارات إثارة للجدل هو قراره بمنع دخول مواطنين من سبع دول ذات غالبية إسلامية للولايات المتحدة الأمريكية منها اليمن وسوريا وليبيا وإيران، أو كما سماها ترامب بؤر الإرهاب، وأيضًا قراراه بإيقاف العمل ببرنامج استقبال اللاجئين، البرنامج الذي لم يتوقف العمل به منذ انطلاقه سوى مرة واحدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

كل هذه الكمية المركزة من العنصرية في ظرف أسبوع واحد في الولايات المتحدة وانشغال الصحافة بها وانتقادها، تصور للمتابعين أن لا هم للصحافة الغربية سوى نصرة الأقليات المظلومة في العالم وأنها تحارب كل من تسول له نفسه أن يتعرض لهذه الأقليات بأقل القليل، رغم ذلك نجد أن الوقائع التي سأسردها في هذا المقال حدثت وما زالت تحدث لغاية كتابة هذه الأسطر بإرادة السلطات وتعتيم الصحافة وفي غالب الأحيان مباركتها لها.

ملخص هذه الجريمة العنصرية التي كانت إحدى دول غرب أوروبا التي تتشدق بقيم الديمقراطية مسرحًا لها، أنه منذ مدة زمنية اتخذت الشرطة من مهامها مهمة متابعة الأنشطة الإسلامية ولا أقصد هنا متابعة الأنشطة المشبوهة أو المتطرفة، بل مراقبة المسلمين العاديين الذي تعتبر صلاتهم ولو في منازلهم ووحدهم بعيدًا عن أعين الناس جريمة تلتزم اتخاذ إجراءات عاجلة ضدهم، وتم منعهم من التجمع وأي تجمع لهم يعتبر إخلالاً بالقيم المسيحية لتلك الدولة وإهانة لمعتقدات غالبية السكان الذين يدينون بالمسيحية، وتطورت الأوضاع وأصبح مجرد التصريح بالانتماء للإسلام جريمة، وفي إحدى القضايا التي تناولتها جريدة محلية مؤخرًا، أنه تم الحكم على أحد قادة المسلمين في تلك المنطقة ورفيقه بثلاث سنوات سجنًا نافذًا سنوات بتهمة الإساءة للسيد المسيح عليه السلام، والمساس بتعاليم الدين المسيحي.

ذلك فقط لكونهما مسلمين دون أن يقوما بأي شيء يدعوان لدينهما، ونحن لا نتكلم عن مسلمين هاجرا إلى أوروبا وأقاما في هذه الدولة، بل مواطنين أصليين لهذه الدولة منذ آبائهم الأولين ويحملون جنسيتها لكن اختاروا الإسلام دينـًا لهم.

تخيل معي هذا، تخيل أننا في القرن الواحد والعشرين وهنالك من يحكم عليه بالسجن لتهم واهية كهذه أليست هذه قمة العنصرية والاضطهاد الديني، التي تذكرنا بمحاكم التفتيش الكاثوليكية التي نشطت بالقرون الوسطى، والتي سعت لمحاكمة المرتدين من الدين والمهرطقين والمسلمين واليهود في أعقاب سقوط الأندلس؛ حيث تم إعدام الآلاف من المسلمين واليهود وحتى المسيحيين غير الكاثوليكيين وإجبار مئات الآلاف منهم على الهجرة نحو دول شمال أفريقيا مثل الجزائر وتونس والمغرب .

ولم تكتفِ المحكمة بذلك فحسب، بل تم الحكم بنفيهما من مقر إقامتهما إلى خارج إقليم الولاية لمدة خمس سنوات أخرى وبدفع غرامة مالية، كل هذا حدث في ظل صمت رهيب من وسائل الإعلام التي صدعت رؤوسنا بقيم العدل المساواة.

وقد تمت عملية التوقيف والمحاكمة بعد قرابة عام من ترصد تحركات المتهم، وقبل مداهمة مسكنه، إذ تم حجز منشورات وكتب، التي أكد المجلس العلمي للكنيسة بعد الاطلاع عليها، أنها تدعو إلى اعتناق الإسلام، وأنها تشكل خطرًا على الدين المسيحي على حد زعمهم وأنها تدعو للخروج عن الدين.

وأدت التحريات المكثفة لاعتقال تسعة آخرين كانوا على اتصال بالمتهم الرئيسي، تهمتهم الوحيدة الانتماء لدين الإسلام.

وكان ثمانية من الموقوفين قد اعترفوا بأنهم كانوا مخدوعين وأعلنوا العودة إلى جادة الصواب خلال الجلسة التي جمعتهم بأعضاء المجلس العلمي الكنسي، بينما أبدى المتهم الثاني تمسكه بانتمائه إلى الإسلام.

تخيل أن هذا يحدث في القرن الواحد والعشرين، لكن لا داعي لأن تتخيل فهذا ما يحدث وما يزال يحدث إلى اليوم.

هذا غيض من فيض؛ إذ إن عمليات القبض على المسلمين في هذا البلد، ومحاكمتهم بتهم الإساءة للمسيحية، وإيذاء مشاعر المسيحيين أصبحت تظهر في الصحف من حين لآخر في الهوامش كأنها أصبحت من المسلمات، دون أن يتوقف أحد أمام هذه الكارثة، وفي أبسط حق من حقوق الإنسان وهي حرية اختياره لدينه، وحرية ممارسته.

إذا كنت ما تزال مندهشًا من هذا فلتعلم أن مسرح هذه الأحداث لم يكن دولة أوربية غربية كما قلت لكم سابقًا، بل حدثت في الجزائر، أجل في الجزائر، لكن ضد أتباع الطائفة الأحمدية، أو كما يعرفها البعض باسم الديانة القاديانية، رجاء لا تشعر أني خدعتك؛ فمشاعر الاضطهاد والظلم التي شعرت بها وأنت تعتقد أن المضطهدين هم من أبناء دينك يجب أن تكون المشاعر نفسها التي يجب أن تشعر بها حين تعلم أن من مارس هذا الاضطهاد هم أبناء جلدتك واستخدموا في ذلك دينك واستغلوه أسوأ استغلال.

أطلت علينا جريدة الشروق اليومي واسعة الانتشار في الجزائر منذ أيام قليلة بعنوان بالبنط العريض:

نفي زعيم «الأحمدية» لـ 5 سنوات.. وملاحقة 120 من أتباعها

إذ تقوم الحكومة منذ سنوات بتتبع معتنقي هذا التوجه الديني، ومحاكمتهم بتهم متعددة منها تهمة الإساءة إلى الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- والمساس بالمعلوم من الدين بالضرورة كما حدث في هذه القضية، هذه التهم التي تعد جرائم يحاكم عليها القانون الجزائري.

ولم تكتف الحكومة بهذا فحسب، حيث أعلن وزير الشؤون الدينية في التاسع عشر من شهر يناير «جانفي» أنه تم تشكيل لجنة مشتركة يرأسها وزير الداخلية والجماعات المحلية لمتابعة قضية الأحمدية في الجزائر، مؤكدا أن «ملف الأحمدية ملف أمني بات اليوم من صلاحيات وزارة الداخلية».

يشار إلى أن الجماعة الأحمدية أو القاديانية هم طائفة تؤمن بـميرزا غلام أحمد الذي ولد في بنجاب في القرن التاسع عشر الميلادي رسولاً بعد النبي محمد عليه السلام.

وتعتبر الجماعة الأحمدية نفسها حركة إسلامية تجديدية، وقد نشأت في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي في شبه القارة الهندية، يشار إلى أتباع الجماعة الأحمدية بالأحمديين أو المسلمين الأحمديين، مؤسسها هو ميرزا غلام أحمد القادياني «1835-1908»، نسبة إلى بلدة قاديان، في إقليم البنجاب في الهند؛ حيث وضع أسس جماعته في 23 من مارس عام 1889 وسماها الجماعة الإسلامية الأحمدية. وادعى ميرزا غلام أحمد بأنه مجدد القرن الرابع عشر الهجري، وبأنه المسيح الموعود والمهدي المنتظر من قِبل المسلمين.

وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن معتقدات الطائفة الأحمدية؛ فأنا لا أعلم عنهم غير ما قرأت في ويكيبيديا أو ما أخبرني به أصدقائي أو قرأته في الجرائد، لكن سوف أدافع عن حقهم في ممارسة معتقداتهم بكل حرية وحقهم في ممارسة شعائرهم دون خوف أو اضطهاد، بل يجب على الحكومة على أن تعمل على حمايتهم باعتبارهم أقلية لا أن تشترك في جريمة اضطهادهم تحت مبررات واهية.

ورغم أن الدستور الجزائري يضمن حرية المعتقد، إذ تنص المادة 36 منه على:

لا مساس بحرمة حرية المعتقد، وحرمة حرية الرأي.

لكن هذا لا ينطبق على الواقع، إذ ما تزال الأقليات الدينية عرضة لجميع أنواع الاضطهاد في الجزائر.

وإذا كنت قلقـًا على المسلمين وحريتهم في ممارسة شعائرهم في ظل إدارة ترامب الجديدة فلا داعي لذلك، فمسلمو أمريكا لديهم ملايين من الناس الذي خرجوا للشوارع في أمريكا نفسها وأمام سفارتها حول العالم، ليس دفاعًا عن المسلمين فقط، بل دفاعًا عن مبادئ وهذه المبادئ لا تتجزأ، كما أيدتهم في ذلك المحاكم الفيدرالية الأمريكية، التي قامت بإبطال قوانين ترامب المقيتة.

الجزائر ليست الوحيدة في ذلك فكل الدول العربية تقريبًا لديها قوانين مماثلة، فمتى نتوقف عن الادعاء بأننا ضحايا وننظر لأنفسنا أيضًا كجناة ضد الأقليات الدينية الأخرى.

والعنصرية ليست ازدراءً وكرهًا لمن هو مختلف عنك فقط، العنصرية هي أيضًا الاهتمام فقط بمن يشبهونك في لون بشرتك ويتبعون معتقدك نفسه، دون الاهتمام بباقي الأقليات التي تتعرض للاضطهاد، خصوصًا لو كان هذا الاضطهاد صادرًا من أفراد طائفتك.

تجدون في المصادر بعض المقالات الإخبارية المنشورة في الجرائد عن حملات اعتقال الأحمديين في الجزائر، بالإضافة إلى مقال للكاتب الكبير بلال فضل استوحيت منه فكرة كتابة المقال بهذه الطريقة لأني رأيت أنها الفكرة الأنسب لتوضيح هذه القضية.

The post ضحايا العنصرية المجهولين appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست