ولد «بشار الأسد» في عام 1965، في العاصمة السورية دمشق، أنهى دراسته الثانوية عام 1982، حصل على دكتوراه في طب العام من جامعة دمشق سنة 1988، وتوجه من بعدها عام 1992 إلى بريطانيا لمتابعة التخصص في طب العيون، عاد إلى سوريا عام 1994، ورفع إلى رتبة نقيب في إدارة الخدمات الطبية؛ ليصل بعد ذلك إلى درجة فريق، فينتخب في 20 جوان 2000 أمينًا قطريا لحزب «البعث»، ويوافق المجلس لاحقًا لترشيحه لمنصب خلافة والده حافظ الأسد، فيفوز بنسبة 97.29 من الأصوات .
لم يكن بشار الأسد، حسب الكثيرين، يفكر في خلافة والده في حكم سوريا، لكن يبدو أن الظروف التاريخية رست على شخصه، بعد تجاذبات وحسابات داخل النظام، وداخل العائلة نفسها، سئل حافظ الأسد عن موضوع خلافته، ومدى اهتمامه بذلك بعد أشهر من مرضه، فأجاب «لا لم أشعر أبدًا أني مهتم بذلك؛ لسبب بسيط هو أن الدستور السوري هو الذي يجيبك عل هذا السؤال»، كانت سيناريوهات خلافة الأسد الأب مفتوحة على عدة شخصيات، فقد صور أخوه «رفعت الأسد» – حسب «دانييل لوغاك» – على أنه ولي العهد، لكن يبدو أن سلوكه وسيرته أثناء مرض أخيه حرماه من الظفر بكرسي رئاسة سوريا، إضافة إلى معارضة المؤسسة العسكرية بذلك، غادر رفعت سوريا، وتم استبعاد أتباعه من القيادة القطرية للحزب، لاسيما، «أحمد دياب»، «ناصر الناصر»، و«أحمد اللاطي»، في 1987 عرض رفعت الأسد من منفاه على «علي حيدر» قائد القوات الخاصة مبلغ ملياري فرنك فرنسي؛ ليعود، لكن طلبه قوبل بالرفض، قائلًا «ما إن يع،د حتى يسرق مني المبلغ كله، ويسجن كل أتباعي».
إضافة إلى رفعت الأسد، تم الحديث عن الأخ الآخر للأسد، «جميل الأسد»، الذي كانت أهم نشاطاته هي التحكم في عمليات «الترانزيت» في ميناء اللاذقية لأخذ العمولة، إلى حد جعل الكثير ممن يعملون في الميناء يفكرون في ترك وظائفهم، لكن الكثير من المتتبعين وصفوا جميل بالشخصية المحدودة، وغير القادرة عن قيادة سوريا، فحسب «دانييل لوغاك»، تبقى الحالة الأكثر اهتمام هي ابن الرئيس «باسل الأسد».
يرى الدكتور «بشير زين العابدين»، في كتابه «الجيش والسلطة في سوريا» أن الرئيس حافظ الأسد كان حريصًا على إبقاء السلطة في «آل الأسد»، وهذا يتناقض مع تمسكه في الدستورية في تصريحاته المذكورة سابقًا، وكان ظهور باسل الأسد في الصورة، كنتيجة لفشل مساعي الصلح مع أخيه، «رفعت الأسد»، وقد تم الترويج له بجعل صوره معلقة في كامل سوريا إلى جانب صورة الأسد الوالد الذي أصبح يكنى «أبا باسل» بدلًا من أبي سليمان، وأثناء ذلك انضم باسل إلى الحرس الجمهوري، وأصبح رئيسًا لأمن الرئاسة برتبة رائد، ولتقوية موقف باسل، أخذ النظام يعلن حملة لمحاربة الفساد بقيادته، وقد شكلت حكومة جديدة برئاسة «محمود الزعبي»؛ بغية الخروج بالبلاد من وضعها الاقتصادي الضائق.
كان باسل الأسد يبدو رمزًا من رموز النزاهة، مثلًا أعلى للجيل الجديد في سوريا، ولكن الأمور سارت نحو منحى آخر؛ حين أعلن وفاة باسل الأسد في 21 يناير 1994؛ إثر حادث سيارة، وكان عمره 32 سنة ، وهكذا رست الظروف التاريخية على الطالب الليبرالي بشار الأسد .
وجه دانييل لوغاك، في معرض كتابه «سوريا في عهدة الجنرال»، انتقادًا شديد اللهجة لباسل الأسد، «فإذا تسلم احدهم أو حتى ابنه الذي تربى في مدرسة قاسية واستطاع أن يفرض نفسه ، عندها ربما سيأسف السوريون بالفعل على حافظ الأسد، ويترحمون على الطاغية الأول»، مات باسل الأسد، ولم تتحقق نبوءة الصحفي دانييل لوغاك، لكن شاءت الصدف أن يحصل هذا الأسف على «الطاغية» الأب مع ابنه الآخر بشار الأسد.
أمضى الأسد الأب عدة سنوات، وهو يحضر بشار لخلافته، وقد فرضت وفاته سنة 2000 إيجاد ما يجب من الشكليات؛ لاستكمال مشهد التوريث؛ فالدستور السوري يحدد أن يكون المرشح للرئاسة قد وصل عتبة الأربعين، في حين إن بشار كان لم يتجاوز الخامسة والثلاثين؛ فتم تعديل الدستور؛ بما يخدم الوريث الجديد، وقد أشار البعض إلى أنه إذا طلب من الحكومة تعديل الدستور نحو التعددية السياسية، فإن الرد سيستغرق سنين طويلة، في الوقت الذي استغرق تعديله للوراثة وقتا قصيرًا، لكن بالرغم من هذا، كان لدى الشعب السوري أمال كبيرة في أن يقوم الرئيس الشاب بإصلاحات في النظام، من منطلق أنه نموذجا لشاب درس في لندن، مثقف متقن للغات، كان يشار إلى أن تنشئته تختلف عن تنشئة آخيه باسل، وعمه رفعت الأسد، وكانت هذه الصورة التي رسمها المجتمع السوري عن الأسد الابن صحيحة، لكن بصفة مؤقتة .
كثيرًا ما كان بشار الأسد يوصف بالشاب الليبرالي، ربما دون تمحيص دقيق في مفهوم الليبرالية، والتي تروجها الأدبيات الغربية عمومًا على أنها شاملة على مفاهيم وقيم، كالحقوق الفردية، والنظرة التفاؤلية تجاه الإنسان، الإيمان بالتقدم، الالتزام بالحرية، الحكومة الحدية، الاقتصاد الحر، الالتزام بالعالمية، ويشار – من وجهة نظر ليبرالية – على أن للفرد حقوقًا طبيعية توجد باستقلالية عن الحكومة، لكن يجدر بالحكومة أن تحميها، كان هذا المفهوم النظري لليبرالية، والذي يحظى إلى حد ما بنوع من الاتفاق، فالقيم الليبرالية اليوم هي القيم الأكثر قوة وجاذبية، والطريق الأكثر سلاسة للتقرب من الغرب القوي، هذا المبدأ يبدو أن الأسد الابن كان يعيه جيدًا.
يشير «ريخ أرليخ» أن ليبرالية بشار الأسد، وفلسفته الإصلاحية «كانت من النوع الذي يجلب السعادة إلى قلوب أصحاب المصارف الدولية»، كان هذا عن طريق بيع مؤسسات الدولة، وفتح قطاع الأعمال، لكن يبدو أن المستفيدين الكبار من هذه «الليبرلة العائلية» هم آل الأسد وحدهم، كابن خال الأسد «رامي مخلوف» المقدرة ثروته بـ 5 ميليارات دولار، في الوقت الذي صاحب ذلك مستويات عليا من البطالة، حتى بين أوساط الجامعيين، والتي بلغت حسب «أرليخ» 20 % في العشرية الأولى من حكم الأسد، مع 44 % من السكان تحت خط الفقر، والحلول حسب الاقتصادي السوري «أيمن عبد النور» «تظل حبرًا على ورق».
يوما ما، سيرحل نظام بشار الأسد بطريقة أو بأخرى، وأسباب رحيله أقوى وأشد من أسباب بقائه، حتى وإن حاول البعض التنظير لبقائه بالحرب على الإرهاب، وأن الإرهاب أشد تهديدًا للأمن والسلم الدوليين من بشار نفسه، لكن يجب أن نتوقف عند هذا الطرح، ونتساءل: أين الشعب السوري من هذا؟ أعني: لماذا يعيش الشعب السوري لمدة أطول تحت وطأة نظام مستبد يمارس القهر والقمع المسلح، في سبيل أن تعيش أطراف أخرى تبعد آلاف الكيلومترات عن البيئة السورية في سلم وأمن، هناك منطق ساهمت في نحته عوامل سياسية، إعلامية، وحتى أكاديمية، في الداخل السوري وخارجه، يجيز التضحية بالداخل السوري؛ شراء لتعاطف دولي مع النظام، إذن ، نظام بشار الأسد مستعد للعب كل الأوراق؛ لتثبيت بقائه واستمراريته، مستفيدًا، كل الاستفادة، من بيئة أمنية اختلطت فيها المفاهيم والخطوط السياسية، وبين ما هو ثوري وما هو إرهابي.
فكرة أن بقاء النظام يمكن معه بسهولة حل مشكلة الإرهاب تحظى بقبول عند الكثير، لكن لا يمكن التغاضي عن فكرة أن أطرافًا دولية تتولى قضية الإرهاب في الداخل السوري، فيما ترعى الجامعة العربية والأمم المتحدة انتقالًا سياسيًا سلسًا، تطبعه مؤشرات كهندسة دستور جديد ، وإعادة هيكلة الحياة السياسية تمهيدًا لانتخابات لا يشارك فيها الأسد، قد يبدو هذا المنطق إقصائيًا عند الكثير، لكنه ليس أشد دمارًا مما خسره، وعاناه الشعب السوري ، فليضحي أنصار بشار بمواقفهم خدمة لاستقرار الجميع، ولحقن ما تبقى من دماء الشعب السوري، وشعوب المنطقة جميعها؛ لأن نظام الأسد قادر على نقل المعركة خارج حدوده بسهولة، وبدعم من شركائه.
صحيح أن رحيل الأسد لن يحول سوريا إلى سويسرا، ولن يضمد جراح مجتمع بكامل فسيفسائه، بما فيهم «العلويون» أنفسهم، الذين ينظر إليهم بسلبية؛ لأنهم مع بشار، ولأن بشار علوي، فمن الأخطاء التي لا تغتفر، والتي ارتكبها بشار هو سلخ المكون العلوي، بقصد أو بغير قصد، عن باقي الجسد السوري، لكن رحيل هذا النظام هو الحل الأكثر عدالة في حق سوريا والشعب السوري؛ فالشعب السوري يستحق نخبة سياسية أفضل، وحياة أحسن مما كان عليه، فمن هنا يجب أن تبنى الحلول حول سوريا بمرجعية المواطن السوري، لا بمرجعية مصالح القوى الإقليمية والدولية، إذ إنه، من غير المستبعد، أن سوريا ما بعد الأسد، ستستبدل فيها بإيران السعودية أو تركيا، وبروسيا الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يزعج الكثيرين؛ لذا يراد لسوريا الجديدة أن تستفيد من الأخطاء السابقة، محليًا وإقليميًا، خاصة فيما يتعلق بضرورة تفادي البداية من الصفر، أي الانطلاق من نفس الفلسفة المؤسساتية، مع إصلاحات وتعديلات، خاصة فيما يتعلق بالجيش، مع مصالحة وطنية تقطع الطريق أمام أية إمكانية لانفجار الأوضاع مستقبلًا.
The post الأسد: طريق الوصول وتذكرة الذهاب appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست