كثيرا ما سمعنا عن لغز مثلث برمودا، حيث ارتبطت بهذا الاسم قصص اختفاء وغرق السفن والطائرات، ولكن ما هو لغز مثلث برمودا المصري، ذاك المشروع الذي إن أكتمل لن تختفي سفينة أو طائرة، بل ستختفي سيناء كلها من خريطة مصر.
تبدأ أحداث القصة منذ عقود ليست بالبعيدة لنتوه عنها، ولا بالقريبة لنعايشها، تحديدا في عام1896 بعدما رفض السلطان عبدالحميد طلب هرتزل ببيع فلسطين لليهود كوطن قومي، وقال قولته الشهيرة (إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض لأنها ليست ملك يميني، بل ملك شعبي، لقد ناضل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه).
فببحث هرتزل عن وطن بديل مؤقت، شرط أن يكون قريبا من حلمه فلسطين، وكان القرار هو سيناء كوطن يستوعب المهاجرين اليهود لحين تبدل الظروف في فلسطين، فتفاوض هو وروتشيلد سرًّا مع الحكومة البريطانية لتأجير سيناء لمدة 99 عاما، وحصلوا على موافقة مبدئية، ولكن طُلب منهم التفاهم مع كرومر الحاكم الإنجليزي لمصر.
وبالفعل تم التواصل مع كرومر وجوزيف تشمبرلين وزير المستعمرات البريطاني وبطرس غالي رئيس وزراء مصر وقتها، وتم إرسال بعثة صهيونية إلى مصر تتكون من زعماء الحركة الصهيونية وخبراء يهود برئاسة الصحفي الصهيوني جاكوب جرينبرج، وانطلقت البعثة لمعاينة سيناء في 11 فبراير وانتهت في 25 مارس 1903، ودرست كل شيء وأصدرت تقريرا ملخصه الآتي:
1- حدود المستعمرة تبدأ من فلسطين شرقا إلى القناة وخليج السويس غربا، ومن شاطئ البحر الأبيض شمالا، إلى خط عرض 29 جنوبا في نهاية مساقط مياه وادي العريش ومرتفعات التيه ذات الرمزية في التاريخ اليهودي، وباعتبارها جزءًا من مشروع إسرائيل الكبرى المزعوم، وهذا الخط يمتد من أبو زنيمة على خليج السويس إلى نويبع على خليج العقبة.
2- مطلوب توصيل مياه النيل إلى سيناء من الإسماعيلية.
3- التأكيد على قلة عدد سكان سيناء للإيحاء بأنها أرض بلا صاحب.
وتقدم هرتزل بمشروع الاتفاقية التي أراد بها التعاقد مع الحكومة المصرية للحصول على امتياز الاستيطان في شبه جزيرة سيناء وكان ملخصها كالتالي:
أولا: تمنح الحكومة المصرية هرتزل أو الشركة التي يؤسسها الحق في استعمار المستوطنة بعقد امتياز لمدة 99 عاما.
ثانيا: تتعهد الحكومة المصرية بتوصيل المياه إلى سيناء.
ثالثا: بالنسبة للمثلث الجنوبي لا تتصرف فيه الحكومة إلا بالتشاور مع الإدارة الصهيونية للمستوطنة.
وربط كرومر موافقته برد وكيل نظارة الأشغال السير ويليام جارستن، الذي جاء رده في 5 مايو 1903 بالرفض بناء على الآتي:
1- صعوبة نقل المياه من خلال 8 أنابيب قطر كل منها متران في هذا الوقت لأسباب فنية.
2- التأثير السلبي للمشروع على مشروعات الزراعة المصرية بالوادي، خاصة محصول القطن الحيوي للصناعة الإنجليزية.
وتوقف مشروع هرتزل في سيناء عند تلك النقطة، ولكن لم يتوقف الحلم، فقد حقق هرتزل أمنيته الأولى بوطن لليهود في فلسطين، لكن لم يصرف هرتزل والصهيونية العالمية النظر عن الوطن البديل أيضا وما تحوية تلك الأرض من خيرات ومياه منتظرة، كما أنها تحوي جزءا من تاريخهم.
وحديثا وجد هرتزل الذي مات ولم يمت حلمه، وجد من حقق له ذاك الحلم بعد هذه السنوات الطويلة، فتم إحياء المشروع من جديد، وكانت البداية عندما أصدر السيسي قرارا بتقسيم إداري جديد للمحافظات المصرية أثناء ترشحه لانتخابات الرئاسة، تقسيم إداري على خط العرض ذاته (خط 29 الذي حدده هيرتزل)، فاخترع محافظة جديدة باسم وسط سيناء بغير ضرورة أو أسباب مقنعة، ولكن التقسيم الإداري كما أعلنه كان مكلفا، فأعلنت الحكومة عن تنفيذ 3 محافظات فقط، وهي وسط سيناء والعلمين والواحات.
وبالنظر لوضع سيناء الحالي يظهر لنا الآتي:
هذا التقسيم وفق خط عرض 29 يبدو أنه يحظى بتوافق دولي لتقسيم شبه الجزيرة بين رهبان اليونان المدعومين من روسيا، لإقامة فاتيكان للأرثوذكس في المثلث الجنوبي، وبين الصهاينة.
فالمثلث الجنوبي الذي يخضع لسيطرة دير سانت كاترين، الذي لم يعد للدولة المِصْرية أي سيطرة فعلية عليه، حيث أحكم الغرب السيطرة في المنطقة من خلال 33 راهبا يونانيا قاموا بتوسعة الدير وطرد جميع الرهبان من المصريين واليمنيين والشوام والأحباش وتغيير ملامح المنطقة.
فالأوربيون والروس يبقون على السيطرة المصرية صوريا على جنوب سيناء، لحين إتمام الخطط المتعلقة بالجزء الشمالي الذي يتم تهيئته، بلا سكان، للبيع للمستثمرين الأجانب كخطوة مرحلية في إطار مشروع هرتزل الذي يتم تنفيذه الآن، فبعد أن دفع أبناء مصر دمائهم ثمنا لتحرير سيناء تم احتلالها مرة أخرى لكن بقرارات من الحكومة المصرية!
فبعد خروج الإسرائيليين من سيناء في عام 1982 لم يكن بمنطقة الجنوب سوى دير سانت كاترين وبه مجموعة من الرهبان اليونانيين، وبدء المكر الصليبي والصهيوني يعمل، فكان المطلوب منع الدولة المصرية والمصريين من القيام بأي عمل في جنوب سيناء، ووقف البناء أو الاقتراب بأي أعمال على الأرض في مجمل المنطقة، ولكن وبعد تخطيط محكم، ومن خلال عمليات الاختراق والخيانة صدر قرار من مجلس الوزراء المصري عام 1988، باعتبار معظم المثلث الجنوبي -وليس منطقة الدير فقط- محمية طبيعية بمساحة قدرها حوالي 4250 كم2، ونظرا لقيام بعض البدو بحفر آبار للشرب والرعي قام اللوبي الموالي لإسرائيل داخل الحكم المصري بتجديد القرار مرة أخرى عام 1996 وتفعيل العمل بالمحمية، فتم ردم الآبار وتحرير القضايا للمخالفين.
ولمزيد من الحماية تدخلت اليونسكو وقررت اعتبار معظم المثلث الجنوبي منطقة تراث ثقافي عالمي، لتفرض مظلة مزدوجة لمنع أي جهة من الدخول، ليخلو الطريق أمام رهبان الدير ليتوسعوا ويزدادوا طمعا في التهام المزيد، ولم يكتفوا بحدود المحمية فامتد نفوذهم إلى كامل المثلث الجنوبي، وبدأ الاتحاد الأوربي يدخل على الخط، ويساهم في التأسيس لهذه الدولة اليونانية على الأرض المصرية، وأصبح الدير قبلة الزعماء الأوربيين الذين يتدفقون عليه بشكل دوري، وقام الاتحاد الأوربي بتمويل مد أنبوب بطول 220 كم لتوصيل مياه النيل إلى سانت كاترين بتكلفة 18 مليون يورو، تم احتلال جنوب سيناء! ليس باحتلال عسكري! إنما ببناء أسوار عالية حول كل شبر يحتله الرهبان، ويرفعون عليه العلم اليوناني تحت سمع وبصر ومباركة الحكومة المصرية، لم يحدث في أي مكان في العالم أن دولة تقدم جزءا من ترابها الوطني طواعية كهدية للاحتلال إلا بمصر، وعلى يد من يسمَّون حماة الوطن( طغمة العسكر الفاسدة).
وعندما قام اللواء عبد العال عبد الرحمن صقر رئيس مجلس مدينة سانت كاترين بالشهادة ضد الدير، ومطالبته بنزع الأراضي من الدير وفرض سلطة الدولة على أراضيها، تمت إقالته من منصبه، وتحول جنوب سيناء أسفل خط عرض 29 إلى محمية أوربية، ومنتجع سياحي لصالح الاستثمارات الأجنبية المرتبطة في معظمها باليونانيين والروس، ومزارات دينية يجني الدير الرسوم منها وليس الدولة! فالدور المصري فيها مجرد التأمين والحراسة.
أما الشمال، فالسيسي ينفذ خطة هرتزيل بحذافيرها، فقد قام بإخلاء سيناء من سكانها وتهجيرهم بحجة محاربة الإرهاب، أما بالنسبة لتوصيل الماء لسيناء، ففي أثناء شق تفريعة قناة السويس الجديدة، كان هناك عملٌ دؤوبٌ، يصل الليل بالنهار لسرعة الانتهاء من سحارة سرابيوم، لنقل الماء من ترعة الإسماعيلية إلى شرق القناة.
وتتكون السحارة من 4 مواسير قطر الواحدة متران، وكان من المفترض أن يبدأ ضخ الماء خلال شهر مارس 2016، ثم تأجل إلى شهر إبريل ليتم افتتاحها ضمن مشروعات أخرى، ليبدو الأمر وكأن هناك مشروعات تنموية، بينما في الحقيقة، لا يوجد أي تصور تنموي حقيقي معلن، ولا يوجد مشروع إنتاجي واحد يوفر الإقناع اللازم بضخ المياه في هذا التوقيت؛ ونحن على أبواب العطش، فلمن ستُضخ المياه في سيناء إذا كان السكان مطرودون؟
لم يبق على إعلان دولةٍ فاتيكانيةٍ جديدة في جنوب سيناء، وتعيين حاكم يوناني أو روسي عليها تحت رعاية أممية، سوى اكتمال إخلاء شمال سيناء، ثم بيع شرق القناة للأجانب تحت شعار الاستثمار في إطار ما يسمى محور قناة السويس، كما تم التنازل عن تيران وصنافير ضمن ذاك المخطط، فلا يبقى لنا في سيناء شبر من الأرض، ويتم الإعلان المدوي بنقل حدود مصر إلى ما وراء القناة وخروج سيناء من خارطة مصر رسميا برعاية العسكر.
The post مثلث برمودا المصري وحلم هرتزيل appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست