بات للدراسات الأنثروبولوجية والجينيالوجية تأثير كبير في العصر الحديث، في الدراسات السياسية وعلم الاجتماع السياسي في دراسة الكيفية التي تدير دفة السياسة وتوجهها إلى المكان الخاضع للدراسة والبحث، وتأثير العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، التي تخضع لتأثير عوامل أنثروبولوجية وجينيالوجية كعامل من عوامل بلورة النظام السياسي والدولة وسياساتها الداخلية والخارجية، لا سيما عندما يكون لهذه التأثيرات أبعاد دينية وعقدية.
لقد تطور مفهوم الجينيالوجيا عبر الأزمان والتراكم المعرفي والتطور الإنساني، ولم يعد المصطلح مختزلًا في علم الأنساب وحسب، والتي، لمحاسن الصدف البحثية، يكون رائدها العربي عراقيًا؛ أي من البلد قيد البحث والدراسة في هذا المقال، من مواليد الكوفة هو هشام ابن الكلبي المتوفى سنة 204 هجرية، وقد اهتم بأنساب العرب وأخبارهم ومثالبهم، ويعد مرجعًا علميًّا إسلاميًّا كبيرًا في هذا الموضوع حتى لعلماء السنة، رغم كونه شيعيًا، سيضيف لاحقًا نيتشه على الجينيالوجيا الصفة الأخلاقية في كتابه «جينيالوجيا الأخلاق- أصل الأخلاق وفصلها» إذ اعتبر نيتشه أن هناك نموذجين للأخلاق، أخلاق السادة وأخلاق العبيد، إذ نقب نيتشه عن الأصول التاريخية والنفسية للأخلاق للكشف عن الأوهام والخرافات التي تغلفها.
بعد ثورات الربيع العربي، عاش العالم العربي فاجعة كشف العورات وسقوط أوراق التوت، فظيع أن نكتشف أن الخوف يحكمنا لا القانون، فهل الأخلاق التي تحكمنا أخلاق السادة أم العبيد وفق نظرية نيتشه؟ الإجابة ستكون لكل قارئ صعبة ومرة، ما نراه ونسمعه من أحداث في عالمنا العربي تحتم علينا فهم طبيعة العقلية العربية وأرضياتها المختلفة التي تتحكم في اللاوعي والوعي الباطني، الذي يدفع هذا الكم من القتلة على جرأة القتل، وهذا الكم من المثقفين والسياسيين على جرأة تبريره.
التأثير الأنثروبولوجي والجينيالوجي السياسي والديني الإيراني في الحياة الحزبية والسياسية العراقي:
هناك تداخل مذهبي وجينيالوجي قوي يربط العراق بإيران، عديد من العائلات العراقية ذات أصول إيرانية، عديد من الشخصيات السياسية النافذة في الدولة أو الأحزاب من أصول إيرانية، قام صدام حسين بتهجير عشائر عراقية كاملة لإيران لاتهامه لها بأصولها الفارسية، ويعد هذا الشكل من التهجير من الجرائم ضد الإنسانية التي تخضع للاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية، الأصول الإيرانية بات موضوعًا يثير جدلًا سياسيًا واجتماعيًا في العراق، يفتح الباب للمزايدات السياسية والاجتماعية، لكن بكل الأحوال المسألة الإيرانية ببعديها السياسي والاجتماعي لم تعد عائقًا أو صفة معيبة بحق أي مسؤول عراقي في مرحلة ما بعد الغزو الأمريكي للعراق، بالعكس تمامًا باتت امتيازًا سياسيًا، لإيران فضل كبير على كل الأحزاب السياسية الشيعية التي عادت للعراق بعد الغزو، يمكن ملاحظة تأثير الثقافة الإيرانية من خلال طرائق اللباس وطبيعة الخطاب الإعلامي والسياسي إضافة إلى الملامح الجسدية التي تميل أكثر إلى الخارطة الجينية في بلاد فارس أكثر من الخارطة الجينية العربية- العراقية يمكن ملاحظة ذلك على وزير الداخلية باقر جابر صولاغ المتهم بالضلوع بعمليات تطهير طائفي خطيرة في بغداد في الأعوام التي تلت الغزو حيث اضطر الرجل في أكثر من حادثة الدفاع عن أصوله العربية وانتمائه لعشيرة الزبيدي، الأنثروبولوجيا الدينية الإيرانية واضحة وضوح الشمس في عائلة الحكيم التي تتربع على عرش المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، تركز الأنثروبولوجيا الدينية على المعتقدات والخصائص الاجتماعية للدين، وتركز على الحضارة التي توجد داخلها هذا الدين أكثر من الدين نفسه، وكيف تعمل هذه المعتقدات على التشكيلة الثقافية للمجتمع أو الشخص الخاضع للدراسة، لا تقف الأمور حد تأثيرات عقدية وقومية، بل يقال في الشارع العراقي أن المرجع الديني لشيعة العراق السيستاني الإيراني الأصل لا يجيد اللغة العربية جيدًا.
البويهيون والسلاجقة في أرض العراق:
قال أحمد مطر ذات مرة: «وطني ثوب مرقع كل جزء فيه مصنوع بمصنع» ليس جديدًا ما يحدث في العراق من سطوة الخارج على القرار السياسي في العراق، كانت بغداد عاصمة الخلافة العباسية التي استمرت 508 سنوات، منذ وفاة الرسول محمد بدأت تشهد أرض العراق الفتن والقلاقل إلى يومنا هذا، إلى أن آلت للعباسيين واتخذوها أرضًا لدولتهم واتخذوا بغداد عاصمة لها، لم تهدأ بها القلاقل، وشهدت الخلافة الإسلامية زمن العباسيين تصدعات وانشقاقات كثيرة، ظهرت الدويلات العائلية والطائفية والمناطقية في أرجاء العالم الإسلامي، حتى الحكم داخل القصر الخلافي لم يكن بمعزل عن الاضطراب الدائم، شهد الحكم العباسي كثيرًا من الاضطرابات والاغتيالات والفتن والدسائس داخل القصر نفسه، فتح ذلك المجال لسطوة الغير على قرار الحكم، ولم يبق في كثير من الأحيان للخلفاء سوى اللقب، قضى بعض الخلفاء أيامًا على كرسي الخلافة فقط، سرعان ما قُتل أو نُحي ممن يحكمون هذا القصر بالفعل، أو ما يسمى بمفهوم العصر «المطبخ السياسي».
شهدت العراق سطوات متعاقبة لما عرف بالحرس التركي وبالحكم البويهي والسلجوقي، كان يستنجد بهؤلاء الخليفة نفسه، يتكرر هذا المشهد نفسه في التاريخ العربي اليوم، فتستنجد الحكومات بقوى خارجية لنجدتها وتثبيتها، والشيء نفسه المعارضات التي تستقوي في الخارج، كان لهذه الفترات المتعاقبة التي شهدت نفوذًا لغير العرب في بغداد دور كبير في صياغة الهوية السياسية التاريخية للعراق، التي أصبحت دلوًا يستطيع أيًا كان الإدلاء به، كانت المنابر تدعو لصاحب السطوة البويهي الفارسي أو السلجوقي التركي إلى جانب الخليفة نفسه، عزلت هذه القوى الخارجية عديدًا من الخلفاء، كانت حياة هؤلاء الخلفاء ومماتهم وقراراتهم السياسية والمالية رهنًا بمصالح هذه القوى، ما زال العراق اليوم يحكم من مراكز قوى غير العراقية، بعد الغزو تعاقبت كل من الولايات المتحدة وإيران النقيضين على القرار السياسي العراقي، ما زال لهاتين القوتين النفوذ الأقوى في العراق، لا شيء يمر من غير الرضا في واشنطن وطهران، غالبًا ما يتوافق الأمريكيون والإيرانيون ضمنًا في الملف العراقي، خصوصًا في مرحلة ما بعد داعش، كان الطيران الأمريكي في الجو وقوات قاسم سليماني على الأرض، فيما القائد العراقي ليس أكثر من جندي مقاتل يخضع لخطط وتعليمات وتنسيق أمني عسكري أمريكي إيراني ضمني على الأرض.
تميز عصري السطوتين البويهية والسلجوقية بخاصتين متناقضتين تمامًا، حيث تميز العصر البويهي بالمغالاة المذهبية الشيعية وبالدهاء السياسي والخبث الإداري والمالي الشديد، ويقال إن تعاظم المذهب الشيعي على أرض العراق كان في زمنهم، لقد أضعفوا الخلافة وسلطات الخليفة وكانوا يتعاملون بمنطق العرض الذي لا يُرفض، كمن يمسك مسدسًا ويضعه في رأس خصمه في غرفة مغلقة، إما أن توقع على العقد وإما نوقع على رأسك بهذه الرصاصة، شبه كاتب مؤخرًا طريقة تعامل حلفاء إيران في لبنان مع خصومهم السياسيين بهذه الطريقة، كان الدخول البويهي لبغداد زمن الخليفة المستكفي، فيما تميز السلاجقة الذين جاءوا طلبًا لنجدة الخليفة القائم بأمر الله لتخليص العراق من البويهيين، بمغالاتهم المذهبية السنية، وطابع البداوة والخشونة والهمجية الخالية من أي قواعد ذوقية أو سلسة في التعامل مع الحاكم أو الناس في بغداد، حتى ضج أهل بغداد منهم، حيث كانت خيولهم تدهس المارة وبضاعتهم في الشوارع والأسواق خروجًا عن القانون، يمكن تشبيههم بالشركات الأمنية الأمريكية الخاصة، التي عملت في العراق بعد الغزو مثل بلاك ووتر التي ارتكبت الفظائع بحق الشعب العراقي، كل هذه التداخلات الخارجية المتناقضة ألقت بظلالها حتى على جينيالوجيا العقول السياسية وعقول الناس العاديين في العراق على مدار التاريخ.
شهدت الخلافات العباسية صراعات مريرة في الإيثار على الخليفة وقراراته، بين القوى الفارسية والعربية، والتي بالمحصلة ستكون صراعًا بين مذهبين مختلفين أيضًا، كان أوج هذا الصراع زمن الخلاف الشهير بين الأمين والمأمون أبناء هارون الرشيد، إذ قُتل الخليفة الأمين قتلًا بشعًا، وهو من أم عربية قرشية، قُتل على يد قواد أخيه المأمون، الذي كان يتولى منطقة خراسان بقيادة مستقلة وجيش مستقل تمامًا عن جيش أخيه في بغداد، لكن المأمون كان محنكـًا وعالمًا، وكان جزءًا من حنكته تأثيرًا جينيًا من الفرس أخواله أصحاب الخبرة الطويلة في شؤون الحكم والسياسة؛ فجمع حوله العلماء والفقهاء، فيما اشتغل الأمين من الأم العربية عالية النسب باللهو واللعب، وكان يعتقد أنه سيقهر أخيه المأمون بسهولة.
تركيبة المجتمع العراقي المعقدة والجينيالوجيا الأخلاقية الاجتماعية، الشروكيون مثالًا:
ليس طائفيًا فقط، المجتمع العراقي يحوي تشكيلة ديموغرافية دينية ومذهبية وإثنية وعرقية وقومية كبيرة، ليس الجينيالوجيا السياسية الفارسية وحدها التي تؤدي دورًا كبيرًا في الحياة الدينية السياسية العراقية، بل هناك تداخلات جينيالوجية أخرى ذات طابع اجتماعي، لكنها تساهم كثيرًا في سطوة الدين السياسي في العراق، هناك ما يعرف بالشروكيين في أوساط المجتمع العراقي المعقد، يتركز هؤلاء الشروكيون الشيعة في الجنوب العراقي، ولهذه الكلمة دلالتان ومعنيان مختلفان في المجتمع العراقي، هناك دلالة بحثية أكاديمية على علاقة بعلم الاجتماع التاريخي، ودلالة ثانية ذات مضمون اجتماعي عنصري.
يقول الباحثون العراقيون إن أصل الكلمة هو سومري؛ أي اللغة السومرية، وهي «الشروكين»؛ أي أن الكلمة عبارة عن كلمتين هما «شرو-كين»، وتعني المواطن الأصلي، لكن ببعدها الاجتماعي الشعبي لها مضامين سلبية؛ بمعنى أنها كلمة ذات طابع عنصري يتردد في أوساط أهل بغداد من العائلات السنية والشيعية العريقة، التي لا غبار في أصولها العربية، ويقصدون أن الشروكيين هم الشرقيون القادمون من الشرق زمن الاستعمار البريطاني، وكانوا عبارة عن الخدم والعبيد في الجيوش والشركات البريطانية الاستعمارية الكبيرة، حيث قطنوا في الجنوب وفي أكواخ في أطراف بغداد الكبرى، وكانوا يعيشون حالة من الفقر المدقع والبؤس الشديد، وأصبح هؤلاء جزءًا من المذهب والطائفة الشيعية، وهي كلمة أحيانًا ما يوصف بها أهل الجنوب العراقي ذي الأغلبية الشيعية الساحقة والفقيرة، أصول هؤلاء الشروكيين غالبًا من الهند وباكستان والشرق الآسيوي، من راقب الحشد الشعبي العراقي لاحظ أن كثيرًا من هؤلاء المتطوعين في الحشد الشعبي من أصول ليست عراقية، وتشي ملامحهم الجسدية والبدنية بذلك بلا مواربة، ارتكب الحشد فظاعات وانتهاكات خطيرة، وأعمال سلب ونهب واسعة بحق السكان السنة في قتال داعش في مناطق الأنبار، كثير من هذه الممارسات تشي بمستوى حضاري متدنٍ وهمجي لا يليق بالعراق أرض العلم والحضارات.
من الناحية الاجتماعية ينظر أهل بغداد، تحديدًا المجتمع السني المخملي الثري، زمن صدام والجمهوريات والملكيات السابقة، بفوقية اجتماعية إلى أهل الجنوب العراقي، نظرة مشابهة لتلك النظرة التي تنظرها العائلات السنية البيروتية العريقة في لبنان إلى أهل الضاحية الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، يمكن مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي العراقية في الأحداث الأخيرة؛ لمراقبة طبيعة ردود الأفعال على التفجيرات وأعمال القتل الطائفية المتبادلة، تشير هذه الفئة الفقيرة من المجتمع العراقي بالبنان والامتنان إلى عبد الكريم قاسم الذي قاد ثورة 14 يوليو (تموز) 1958 أطاحت بالملكية الهاشمية التي أسسها فيصل الأول في العراق تحت الرعاية البريطانية، إذ عمل على تحسين أوضاعهم بشكل كبير، ودمجهم في المجتمع العراقي وإعطائهم كافة حقوقهم، يقول العراقيون إن والد قاسم سني وأمه شيعية، كانت نهاية عبد الكريم بشعة؛ إذ أُعدم بالرصاص عام 1963 بعد انقلاب بعثي أطاح به عن رئاسة الجمهورية العراقية، والذي تربع على كرسيها زميله في ثورة 1958 عبد السلام عارف.
كيف لعبت الاختلافات المتعددة العراقية دورًا في هدم وعي الدولة؟
كان من المفترض أن تلعب كل هذه التعقيدات والاختلافات دورًا مثمرًا ومزهرًا في بناء الدولة المدنية ودولة المؤسسة والمواطنة والقانون، التنوع والتعدد القومي والديني والإثني غالبًا ما يثري المجتمعات بالعلم والإنتاج والبناء؛ لأن التعددية تعني التنافسية البناءة، استفادت إسرائيل كثيرًا من التعدد الكبير للقوميات التي جمعها الدين اليهودي وهاجرت إلى إسرائيل، دول عديدة لها مثل هذه التجارب، لكن كان للعامل المذهبي في العراق الدور الأهم في هدم مفهوم الدولة والمواطنة والولاء والانتماء إلى الوطن، لقد تمترس العراقيون خلف كل الاختلافات المذهبية والقومية والاجتماعية السابقة وانتموا إليها، وباتت دولهم على حساب الدولة الأم، فالشيعي أصبحت دولته طائفته، وينطبق الحال على باقي الفئات المجتمعية العراقية باختلافاتها المتعددة، لقد كان المذهب العنصر الكيميائي الفعال الذي بلور شخصية الشاب العراقي العادي تحديدًا بعد الغزو الأمريكي للعراق، لكن كان دور هذا العنصر سلبيًا جدًا وهدامًا جدًا في مجتمع معقد أساسًا، وكان من نتائج هذا العنصر المذهبي أن خلق نوع من الازدواجية والانفصامية الوطنية والسياسية والاجتماعية في شخصية الشاب العراقي العادي، الذي كثيرًا ما كتب حول طبيعته د. علي الوردي، عالم الاجتماع العراقي المرموق، إذ ألف كتابين كاملين يتحدث فيهما عن المجتمع العراقي، وهما «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي» و«شخصية الفرد العراقي»، رغم نقده لابن خلدون، إلا أن الوردي تأثر كثيرًا بنهجه، عبر الكاتب والناشط السياسي العراقي البصري عوض العبدان والمعروف بمواقفه الحادة تجاه إيران وحركات الإسلام السياسي السنية والشيعية في العالم العربي، في تغريدة له على تويتر سلط خلالها الضوء على حالة الازدواجية الفكرية في ذهن الشاب العراقي، بما يلي: «الشيوعيون في العراق يقيمون مواكب العزاء الحسيني، وعندما تسألهم عن السبب كونهم ملحدين ولا يؤمنون بالدين، يقولون نحن لدينا مشكلة مع الله، وليس لدينا مشكلة مع الحسين».
يمكن ملامسة ذلك من خلال مواقف المجتمع العراقي حول ثورات الربيع العربي، التي لم تخرج عن سياق توجهاتهم السياسية الطائفية، عاشوا طويلًا تحت سطوة ديكتاتوريات متعاقبة، لكنهم وقفوا مع ديكتاتوريين ضد ثورة شعوبهم، وقفوا ضد الظالم في مكان، وناصروه في مكان آخر، وقفوا مع المظلوم في مكان، ووقفوا ضده في مكان آخر، قاتلوا مع المظلوم في مكان، ومع الظالم في مكان آخر، ماذا لو كان الاستفتاء الكردي في السعودية مثلًا؟ ماذا لو كان أغلب الشعب البحريني الثائر سنة يريدون تغيير النظام الشيعي؟ ماذا لو كان بشار الأسد سنيًا وأغلب الشعب السوري علويًا؟ ماذا لو كان الحريري شيعيًا ونصر الله وحزبه سنة؟ ويمكن قولبة هذه الأسئلة جميعها وطرحها على الطوائف العراقية المتعددة؛ لتكون الإجابات مختلفة ومعقدة بتعقيدات المذاهب المختلفة وأبعادها الجينيالوجية.
التأثير الأنثروبولوجي والجينيالوجي للعراقيين في الدول الأخرى «فلسطين ولبنان مثالين»:
تأثر العراق في العوامل الجينيولوجية والأنثروبولوجية الإيرانية والشرقية، لكن للعراقيين تأثيرات أخرى في السياسات والدول العربية الأخرى، من أوضح الأمثلة لبنان، وكتب في ذلك المؤلف اللبناني د. كمال ديب في كتابه «زلزال في أرض الشقاق»، عديد من العائلات المسيحية والشيعية العريقة في لبنان من أصول عراقية هاجرت إلى لبنان زمن قمع الدولة العباسية واضطهادها في العراق، لعبت وتلعب هذه العائلات دورًا سياسيًا كبيرًا في لبنان، وتدخل العراق في الحرب الأهلية اللبنانية تدخلًا قويًا، كان للعراق جولات وصولات في دعم قوى مسيحية ومسلمة في لبنان زمن الحرب الأهلية، أحد هذه الشخصيات الحليفة للعراق زمن صدام الرئيس اللبناني اليوم ميشيل عون، عندما كان خصمًا شرسًا للنظام السوري في لبنان، دعمت العراق تحالف جنبلاط-عرفات الذي كان خصمًا شرسًا للنظام السوري في لبنان أيضًا، بعد الغزو الأمريكي وصعود القوى الدينية المعممة لحكم العراق، تحول العراق من بلد فاعل سياسيًّا زمن البعث إلى بلد مفعول به من كل القوى الإقليمية زمن القوى الدينية.
لو بحثنا أكثر سنجد امتداد هذا التأثير في فلسطين، تشير الأبحاث والدراسات التاريخية إلى أن كمًّا لا بأس به من العائلات الفلسطينية قد قدمت من العراق إلى فلسطين في ظروف مشابهة للظروف التي في لبنان، وسيجد الباحث تشابهًا غريبًا وقويًا في تشابه أسماء هذه العائلات الممتدة في العراق ولبنان وفلسطين منها عائلة الحسيني مثلًا التي لعبت دورًا كبيرًا في السياسة الفلسطينية، سيجد الباحث أيضًا أن طائفة العائلة نفسها في العراق ولبنان هي شيعية وتجدها سنية في فلسطين، يبدو أن طبيعة المكان والجغرافيا والعوامل السياسية الوقتية كانت قد لعبت دورًا في صقل الهوية المذهبية وتحديدها، ليس هذا فحسب، تنتشر في الأراضي الفلسطينية عائلات كردية قدمت من العراق وتعلن ذلك وتفتخر به في الخليل ونابلس وغزة وعكا والقدس، هناك ديوان الأكراد القريب من الحرم الإبراهيمي القريب في قلب مدينة الخليل، عائلات خليلية عريقة ومعروفة، وكان لها سطوة قوية حسب الروايات التاريخية الشعبية في مدينة الخليل الفلسطينية، للأكراد حارة كانت تسمى حارة الأكراد في قلب البلدة القديمة تسمى اليوم «حارة الشرف» ليست قضية سياسية بحتة سر الاهتمام الفلسطيني واللبناني الكبيرين في الشأن العراقي في كل حروبها وصراعاتها في القرن الأخير، للعراق دور كبير في تاريخ القضية الفلسطينية، وما زالت آثار الجيش العراقي بادية للعيان في فلسطين وله ذكريات في عقول الفلسطينيين، هناك مقبرة معروفة للجيش العراقي في مدينة جنين، في جنين أيضًا ومنطقة حيفا عائلات تركمانية قدمت من العراق أيضُا مع صلاح الدين الكردي، لعبت هذه العائلات دورًا كبيرًا في تاريخ مدينة جنين، لعل تطورات القضية الفلسطينية في الثلاثين سنة الأخيرة ليست بعيدة عن التطورات السياسية العراقية، هزائم العراق المتتالية بعد عام 1991 شكلت صفعات قوية للسياسة الفلسطينية التي وصلت إلى ما وصلت إليه الآن.
The post الجينيالوجيا السياسية «العراق نموذجًا» appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست