السبت، 1 يوليو 2017

ثقفني اون لاين : قطتي علمتني (11).. تصوّرات قطة

تصوّرات قطة

اعتادت قطة الشارع الرمادية كل صباح أن يأتي الرجل الطيب الذي يسكن في نفس الشارع ويضع لها طعامًا شهيًا يكفيها وأخواتها، كان سماع صوت باب منزله وهو يُغلق كافيًا لأن تنطلق القطة وقريناتها نحو باب العمارة إيذانًا بأن الرجل الطيب قد خرج من منزله محمّلًا بالمؤن من الطعام والشراب! أحبّته القطة حبًّا شديدًا فهو باب رزقها المفتوح، كانت تراه من آخر الشارع وهو قادم فتنطلق صوبه سريعًا لتتمسح به وبثوبه وهو يمشي اعترافًا بالجميل وامتنانًا لمن يمنحها الإحسان، لقد عرفتْه وحفظتْه حتى إنها كانت تعرف طريقة خطوه فتكون تحت السيارة فيمر بجوارها فتخرج بدون أن تراه مهرولة لتستقبله استقبال المحبين المخلصين بانحناءاتها المعتادة! لقد كانت ترصده رصدًا كلما غدا أو راح حتى كانت تعلم مواعيد نزوله لعمله ومواعيد رجوعه بل كانت تسمع الأذان فيكون إشارة إلى أنه سوف ينزل إلى الصلاة! لقد صارت مقيمة أمام منزله كالرصد ليس لها أحد من الدنيا سواه هو وأصحابه وجيرانه الطيبين الذين اقتدوا به وصاروا يجودون على تلك القطة وصاحباتها بما يقسمه الله! هي تعلم تمام العلم أن هذا الرجل الطيب ليس مُلْزَمًا بذلك العطف الذي يرسله إليها، فهنالك من الجيران الأشرار الذين يركلونها بأقدامهم حين يرونها نفورًا منها واشمئزازًا من وجودها! ولكنها في ساعة مشمسة كانت تستلقي فيها بجوار أحد البيوت كانت – ربما – تفكر لأول مرة في ذلك التساؤل العجيب لماذا يحنو عليّ هذا الرجل الطيب من دون بقية الناس؟! ولماذا يتذكرني دائمًا كأنني من أولاده ويهملني الآخرون بل يعادونني ويطردونني؟! ما الذي يدفعه لأن يثقل كاهله بعبئي وهو من المؤكد أن له أعباءه ومشاغله؟! أنا هرة؛ فأنا لستُ دجاجة سيجني منها البيض ليطعمها مداومًا، أنا هرة؛ فأنا لستُ حصانًا أو حمارًا يحمل له أثقاله إلى ما يشاء من أماكن ليتعهدني بالرعاية والحنوّ، أنا هرة؛ فأنا لستُ بقرة تدرّ له الحليب يوميًا ووقتما يريد لحمي ذبحني ونسي أمري ليرعاني ويكافئني، أنا هرّة ليستْ منها أي منفعة لبني البشر فما الحادي الذي يحدو ذلك الرجل ليهتم بأمري وأمر القطط في شارعنا؟!

ظلت القطة تفكر وتفكر، خاطبها عقلها الصغير بأن السر في جمالها ودلالها! إن سحر جمالي وخفة ظلي هما اللذان دفعاه للاعتناء بحالي! ولكن، لماذا لم يخطف جمالي لبّ بقية الناس ليعاملوني كملكة مدللة، وهل سحر جمالي استعصى على البشر كافة سوى هذا الرجل العطوف؟! إذًا ليست تلك هي العلة، ترى ربما يكون له حاجة فيّ، ربما يريد أن يأكلني يومًا من الأيام أو ينتفع بفروي! ولكن تاريخنا معشر القطط ليس فيه قطة واحدة رباها آدمي ليأكلها وينتفع من فروها! ربما يدّخرني لوقت الحاجة حين تدهم بيته الفئران فيأخذني لأقوم بمهمتي على أكمل صورة! ولكنه منذ سنين طويلة لم يفعل ذلك ونفقاته الكبيرة عليّ لا تضارع تلك الخدمة البسيطة التي لا أستحق عليها كل هذا الاعتناء. استرسلتِ القطة الحائرة في التأمل والتفكر علّها تفوز بعِلّة تهدئ عقلها التائه الشارد، وأخيرًا اهتدتِ الهرة إلى الحجة الدامغة والعلة المنطقية لحنوّ ذلك الرجل، إن الله خلق هذا الرجل الطيب لي خصوصًا ليطعمني ويسقيني وسخّره في خدمتي وحاجتي، هو مخلوق من أجلي لئلا أجوع ولا أحور، هو رسول ومنحة من الله إليّ لأحيا حياة طيبة هنيئة! هذه هي العلة لا علة غيرها! والآن ارتاح بالي وزال انشغالي!

The post قطتي علمتني (11).. تصوّرات قطة appeared first on ساسة بوست.



لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست