منذ سنوات وقطاع التربية بالجمهوريّة التونسيّة يواجه نقدا من كلّ الأطياف، ذلك أنّ التعليم في تونس أضحى صانعا لجيل بائس فاشل لم ينتفع بالعلم لا فكريّا ولا ماديّا، لأنّ مضمون البرامج التعليميّة لا يرتقي لدرجة الفائدة من جهة بالإضافة إلى عدم مصداقيّة الشهادات التي تختم بها الدراسة في أحايين كثيرة.
أمّا اليوم وبعد ثورة خاضها الشعب التونسي لإعادة تشكيل الجمهورية، ذهب كثيرون إلى الإقرار بأهميّة الإصلاح التربوي الذي سعت وزارة التربية بالتعاون مع نقابات التعليم إلى حلحلة الوضع وإيجاد مخارج تفضي إلى تعليم يرتقي إلى درجة عالمية. لكن بالتأمّل في واقع التربية اليوم نرصد انحرافا خطيرا يقوده السيد ناجي جلول ومن سانده من رجال أعمال يتّهم معظمهم بالفساد، فالسيّد ناجي جلّول تبنّى الإصلاح التربوي الذي حصره في خوصصة المدرسة العموميّة لفائدة داعميه هذا زيادة على جعل الإصلاح مقتصرا على الشكل دون المضمون.
إنّ الإصلاح الذي يزعمه سيادة الوزير خلق أزمة بين الوزارة ومنظوريها ربّما سترتقي لتصل أزمة سياسية بامتياز. فالسيد وزير التربية أصدر وفي غير موضع أحكاما تهين المربّي وتحطّ من شأنه، فوجدناه في الإعلام مهاجما شرسا على الأساتذة والمعلّمين الذين اتهمهم وبلا رحمة بأنّهم إرهابيّون ومجرمون! متناسيا قصيدة شوقي التي تقول:
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا .. كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولاأَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي .. يَبني وَيُنشِئُ أَنفُسًا وَعُقولاسُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ .. عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولىأَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ .. وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلاوَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً .. صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولاأَرسَلتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِدًا .. وَاِبنَ البَتولِ فَعَلَّمَ الإِنجيلاوَفَجَرتَ يَنبوعَ البَيانِ مُحَمَّدًا .. فَسَقى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلاعَلَّمتَ يونانًا وَمِصرَ فَزالَتا .. عَن كُلِّ شَمسٍ ما تُريدُ أُفولاوَاليَومَ أَصبَحَتا بِحالِ طُفولَةٍ .. في العِلمِ تَلتَمِسانِهِ تَطفيلامِن مَشرِقِ الأَرضِ الشَموسُ تَظاهَرَت .. ما بالُ مَغرِبِها عَلَيهِ أُديلايا أَرضُ مُذ فَقَدَ المُعَلِّمُ نَفسَهُ .. بَينَ الشُموسِ وَبَينَ شَرقِكِ حيلاذَهَبَ الَّذينَ حَمَوا حَقيقَةَ عِلمِهِم .. وَاِستَعذَبوا فيها العَذابَ وَبيلافي عالَمٍ صَحِبَ الحَياةَ مُقَيَّدًا .. بِالفَردِ مَخزومًا بِهِ مَغلولاصَرَعَتهُ دُنيا المُستَبِدِّ كَما هَوَت .. مِن ضَربَةِ الشَمسِ الرُؤوسُ ذُهولاسُقراطُ أَعطى الكَأسَ وَهيَ مَنِيَّةٌ .. شَفَتَي مُحِبٍّ يَشتَهي التَقبيلاعَرَضوا الحَياةَ عَلَيهِ وَهيَ غَباوَةٌ .. فَأَبى وَآثَرَ أَن يَموتَ نَبيلاإِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ .. وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلاإِنَّ الَّذي خَلَقَ الحَقيقَةَ عَلقَمًا .. لَم يُخلِ مِن أَهلِ الحَقيقَةِ جيلاوَلَرُبَّما قَتَلَ الغَرامُ رِجالَها .. قُتِلَ الغَرامُ كَمِ اِستَباحَ قَتيلا
لقد اكتفى وزيرالتربية التونسي بالإصلاح الشكلي، لنجده دؤوبا على التنقّل من مدرسة إلى أخرى بهدف تلميع صورته في الإعلام لكنّ الغريب أنّه لا يزور كلّ المدارس وإنّما المدارس التي يعلم أنّها بحالة جيّدة متناسيا المدارس التي تتداعى للسقوط على رؤوس أبنائنا – جيل المستقبل – ومدرّسيهم. لم نر وزير التربية يسعى إلى إصلاح البرامج أو طرق التدريس أو منهجيّته أو النظر في الفساد المستشرى في المندوبيّات الجهويّة للتربية أو النظر في الفساد والشبهات التي تحوم حول انتداب الأساتذة!اتّهامات الوزير جعلت الأساتذة والمربّين يعلنون سخطهم عليه (رائد الإصلاح)؟ لكن أيّ إصلاح نريده في تونس في ظلّ هذا الصراع؟ أيّ إصلاح سيتمّ والمربيّ مهانة كرامته؟ أيّ إصلاح نريد وسيادة الوزير لا يكترث لشيء سوى خدمة طموحات سياسيّة يرومها في المستقبل؟
أخشى في نهاية المطاف أن يقود هذا الإصلاح إلى أزمة ستقطع رأس الوزير أو ستشعل حربا في وطن ما يزال الوضع فيه هشّا.
The post الإصلاح التربوي في تونس.. إلى أين؟ appeared first on ساسة بوست.
لتضمن أن تصلك جديد مقالات ثقفني اون لاين عليك القيام بثلاث خطوات : قم بالإشتراك فى صفحتنا فى الفيس بوك "ثقفني اون لاين " . قم بالإشتراك فى القائمة البريدية أسفل الموقع وسيتم إرسال إيميل لك فور نشر درس جديد . للحصول على الدروس فيديو قم بالإشتراك فى قناتنا على اليوتيوب "قناة تقنية اون لاين " . من فضلك إذا كان عندك سؤال مهما كان بسيطاً تفضل بكتابته من خلال صندوق التعليقات أسفل الموضوع . قم بنشر مقالات ثقفني اون لاين على الفيس بوك أو ضع رابطاً للمدونه فى مدونتك .تحياتى لكم لك from ساسة بوست